قال الرافعي: السادس: من لا عُذْرَ بِهِ إذا صَلَّى الظُّهْرَ قَبْلَ فوات الجُمُعة، ففي صِحَّة ظهره قولان:
القديم -وبه قال أبو حنيفة-: أنها تَصِحّ
والجديد -وبه قال مالك وأحمد-: لا تصح.
وذكر الأصحاب أن القولين مبنيان على أن الفرض الأصلي يوم الجمعة ماذا؟ فعلى القديم الفرض الأصلي الظهر؛ لأنه إذا فاتت الجُمُعَة فعليه قضاء أربع ركعات، ولو كان فرض اليوم الجمعة لما زادت ركعات القضاء، وعلى الجديد الفرض الأصلي هو الجُمُعَة، للأخبار الواردة فيها، ولأنه لو كان الأصل الظُّهر، لكانت، الجمعة بدلاً، ولو كان كذلك، لجاز له ترك البدل، والاستقلال بالأصل كمن ترك الصَّوْمَ في الكَفَّارة، وأعتَق، ومعلومٌ أنه ممنوع من ذلك، وهل يجري القولان فيما إذا ترك أهل البلدة كلهم الجُمُعَة وصلُّوا [الظهر](١) أم يختص بما إذا صَلَّى الآحاد الظهر مع إقامة الجمعة في البلدة؟ حكي في "المهذب" عن أبي إسحاق أن ظهر أهل البلدة مجزئة، وإن أثموا بترك الجمعةِ، لأن كل واحد منهم لا تنعقد به الجمعة، قال: والصَّحيح أنه لا تجزئهم ظهرهم على الجديد؛ لأنهم صلوها وفريضة الجمعة متوجبة عليهم.
التفريع: إن قلنا بالجديد، فالأمر بحضور الجمعة قَائِم كما كان إن حضرها فذاك، وإن فاتت قَضَاها الآن أربعاً، وما فعله أولاً يبطل من أصله، أو يكون نَفْلاً؛ فيه القولان المشهوران في أمثاله وإن قلنا بالقديم، فهل يسقط الخطاب بالجمعة؟ قال في الكتاب: فيه قولان، وكذلك ذكره إمام الحرمين، جعل السقوط خارجاً على قولنا: إذا صلَّى الجُمَعة، بعد الظُّهْر أن فرضه الأول أو أحدهما، وعدم السقوط خارجٌ على قولنا: أن الفرض الثاني: أو أن كليهما فرض، والذي ذكره الأكثرون، تفريعاً على القديم أنه لا يسقط عنه الخطاب بالجُمُعة، ومعنى صحّة الظهر الاعتداد بها في الجملة، حتى لو فاتت الجمعة تجزئه الظُّهر السابقة، ثم إذا قلنا: لا يسقط عنه الخطاب بالجمعة، فَصَلَّى الجمعة، فقد قال الإمام: إن الشيخ أبا محمد ذكر فيه أربعة أقوال:
أحدها: أن المفروض هو الأول؛ لأنه لو اقتصر عليه لبرئت ذمته على القول الذي يتفرع عليه.