للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَدُّه: {فَإِنْ خِفْتُم فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً} (١) ويجوز أن يعلم لفظ (الرجال) في قوله: (فيصلون رجالاً) بالحاء؛ لأن أصحابنا حكوا عن أبي حنيفة -رضي الله عنه- أنه ليس للراجل أن يصلي بل يؤخر.

الثانية: لهم أن يتركوا الاستقبال إذا لم يجدوا بُدَّا عنه، قال ابن عمر -رضي الله عنهما- في تفسير الآية: "مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ، وَغَيْرُ مُسْتَقْبِلِيهَا" (٢).

قال نافع: لا أراه ذكر ذلك إلا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ويجوز أن يأتم بعضهم ببعض مع اختلاف الجهة، كالمصلي حول الكعبة، وفيها: وإنما يعفى عن الانحراف عن القبلة إذا كان بسبب العدو، فأما إذا انحرف لجماح الدابة وطال الزمان بطلت صَلاتُه كما في غير حالة الخوف، ويجوز أن يعلم قوله: (غير مستقبليها) بالحاء؛ لأنهم حكوا عن أبي حنيفة أنه لا يجوز ترك الاستقبال.

الثالثة: إذا لم يتمكنوا من إتمام الركوع والسجود اقتصروا على الإيماء بهما، وجعلوا السجود أخفض من الركوع، ولا يجب على الماشي استقبال القبلة في الركوع والسجود، ولا عند التحرم، ولا وضع الجبهة على الأرض، فإنه تعرض للهلاك بخلاف ما ذكرنا في المتنفل ماشياً في السَّفَر.

الرابعة: يجب عليهم الاحتراز عن الصياح، فإنه لا حاجة إليه.

قال الإمام: بل الكمي المقنع السكوت أهيب في نفوس الأقران، ولا بأس بالأعمال القليلة فإنها محتملة من غير خوف، فعند الخوف أولى، وأما الأعمال الكثيرة كالطعنات والضربات المتوالية فهي مبطلة إن لم يكن محتاجاً إليها، وإن كان محتاجاً إليها فوجهان:

أحدهما: أنها مبطلة، وقد حكاه العراقيون وغيرهم عن ظاهر نصه في "الأم"؛ لأن الآية وردت في المشي والركوب، وانضم ترك الاَستقبال إليه فيما ورد من التفسير، فما جاوز ذلك يبقى على المنع.

والثاني -وبه قال ابن سريج-: أنها غير مبطلة؛ لمكان الحاجة كالمشي وترك الاستقبال، وتَوَسَّطَ بعض الأصحاب بين الوجهين فقال: يحتمل في أشخاص؛ لأن الضربة الواحدة لا تدفع عن المضروب فيحتاج إلى التوالي لكثرتهم، ولا تحتمل في الشخص الواحد لندرة الحاجة إلى توالي الضربات فيه، وإيراد الكتاب يشعر بترجيح هذا الوجه المتوسط، لكن الأكثرين رجحوا الوجه المنسوب إلى ابْنِ سُرَيج، وقطع به القَفَّالُ


(١) سورة البقرة، الآية ٢٣٩.
(٢) تقدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>