قال الغزالي: ثُمَّ يُشْتَغَلُ بِغُسْلِهِ وَأَقَلُّهُ إِمْرَارُ المَاءِ عَلَى جَمِيعِ أَعْضَائهِ، وَفِي وُجُوبِ النِّيَّةِ عَلَى الغَاسِلِ وَجْهَانِ، فَإِنْ أَوْجَبْنَا لَمْ يَصِحَّ مِنَ الكَافِر، وَأُعِيدَ غُسْلُ الغَرِيقِ.
قال الرافعي: يستحبُّ المبادرة إلى الغُسْلِ والتَّجْهِيز عند تحقُّق الموت وذلك بأن يكون به علة، وتظهر أمارات الموت مثل أن تسترخي قدماه فلا ينتصبا أو يميل أنفه أو ينخسف صدْغَاه أو تمتد جلدة وجهه أو ينخلع كفاه من ذراعيه أو تتقلَّص خِصْيَتَاهُ إلى فوق مع تَدَلِّي الجلدة. وعند الشَّكِّ يتأنَّى إلى حصول اليقين.
وموضعه أن لا يكون به علة، ويجوز أن يكون ما أصابه سَكْتَة أو ظهرت أمارة فزع واحتمل أنه عرض ما عرض لذلك فيتوقف إلى حصول اليقين بتغيُّر الرَّائحة وغيره (١). إذا عرفت ذلك فنقول: غسل الميت من فروض الكفايات، وكذلك التَكفين والصَّلاة عليه والدّفن بالإجماع، والنظر في الغسل في شيئين:
أحدهما: في كفيته. والثاني: فيمن يغسل.
النظر الأول في كيفيته، والكلام في الأقل والأكمل.
أما الأقل فلا بُدَّ من استيعاب البدن بالغُسْل مرَّة بعد أَنْ يزال ما عليه من النَّجَاسة إن كانت عليه نجاسة، وهل تشترط النّية على الغاسل؟ فيه وجهان:
أحدهما: نعم؛ لأنه غسل واجب فافتقر إلى النِّية كغسل الجنابة.
والثاني: لا؛ لأن المقصود من هذا الغسل النَّظافة وهي حاصلة نوى أو لم ينو، وإنما تشترط النية في سائر الأغسال على المغتسل، والميت ليس من أهل النية، وهذا أصح فيما ذكره القَاضي الرُّوياني وغيره، ويترتب على الخلاف صورتان:
إحداهما: لو غسل الكافر مسلماً هل يجزئ؟.
إنْ فرَّعنا على الوجه الأول فلا، وإلاَّ فَنَعَم.
والثانية: لو غرق إنسان ثم لفظه الماء، وظفر نابه إن قلنا بالأول لَمْ يَكْفِ ما سبق ووجب غسله، وإن قلنا بالثاني كفى ذلك، واعرف هاهنا ثلاثة أمور:
أحدها: أن المحكيَّ عن نَصِّ الشافعي -رضي الله عنه- في الصُّورة الأخيرة أنه
(١) لم يبين أن كان هذا التأخير واجباً أو مستحباً. قال في التوسط: ظاهر كلام المصنف وغيره أنه واجب وكلام القاضىِ أبي الطيب والروياني وغيرهما مصرح بأنه مستحب، ثم نقل عن الشيخ أبي حامد أنه إذا مات بهذه الأسباب وأشار إلى موته مصعوقاً أو غريقاً أو حريقاً أو خاف من حرب أو سبع أو تردى من جبل أو بئر فمات فلا يجوز أن يبادر به ويجب تركه والتأني به كما قال الشافعي، ولا يجوز دفنه حتى يتحقق موته.