للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عنه، ولا يقف تحته، ويغسل في قميص خلافاً لأبي حنيفة حيث قال: "الأولى أن يجرَّد" ويروى مثله عن مالك، وحكاه القَاضِي ابْنُ كَجٍّ وجهاً عن بعض الأصحاب، لنا: أنه أستر له، ولأن النَّبي -صلى الله عليه وسلم-: "غُسِّلَ فِي قَمِيصٍ" (١).

دل أنه أفضل، وليكن القميص باليًا أو سخيفاً ثم إن كان القميص واسعاً أدخل يديه في كُمَّيه وغسله من تحته وعلى يده خرقة، وإن كان ضيِّقاً فتق رُؤُوس الدَّخَارِيصِ (٢)، وأدخل اليد في موضع الفَتْقِ فلو لم يجد قميصاً، أو لم يتأتّ غسله فيه، ستر منه ما بين السُّرَّةِ والرُّكبة، وحرم النظر إليه؛ لما روى عن عَلِيٍّ -كرم الله وجهه- أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لاَ تُبْرِزْ فَخْذَكَ وَلاَ تَنْظُرْ إِلَى فَخْذِ حَيٍّ وَلاَ مَيِّتٍ" (٣).

وعند أبي حنيفة يلقى خرقة على فرجه وفخذه مكشوفة ويكره للغاسل أن ينظر إلى شيء من بدنه إلا لحاجة، بأن يريد معرفة المَغْسُول من غير المغسول، والمُعين لا ينظر إلا لضرورة. وقوله في الكتاب: "ولا ينزع قميصه" غير هذه العبارة أولى منها؛ لأنها توهّم كونه في قميص قبل حالة الغسل، والمحبوب نزع الثِّياب المخيطة عنه من حين مات إلى وقت الغسل، والقميص الذي يغسله فيه يلبس عند غسله، ذكره المسعودي وغيره.

الثَّاني: يحضر ماء بارداً في إناء كبير كالجب ونحوه ليغسل به وهو أولى من المسخّن إلاَّ أن يحتاج إلى المسخّن لشدة البرد أو لوسخ وغيره (٤).

وعند أبي حنيفة المسخن أولى بكل حال. لنا أن البارد يشدّ بدنه والمسخن يرخيه، فكان البارد أولى، وينبغي أن يبعد الإناء الذي فيه الماء عن المغتسل بحيث لا يصيبه رَشَاشُ الماء عند الغسل، أمّا من صار إلى قول نجاسة الآدمي بالموت قال: لئلا ينجس بالرَّشاش الذي يصيبه، وربما احتج بهذه المسألة على النَّجاسة.

وأما من نصر القول الصحيح وهو طهارته، قال: إنما يبعد عنه لتكون النفس أطيب في أن لا يَتَقَاطَرَ الماء إليه.

وأيضاً فالماء المستعمل إذا أكثر تقاطره فقد يثبت لما يتقاطر إليه حكم الاستعمال


(١) أخرجه ابن ماجة (١٤٦٦)، والحاكم (١/ ٣٥٤)، والبيهقي (٣/ ٣٨٧) من رواية بريدة، وقال صحيح على شرط الشيخين. وأخرجه أبو داود من رواية عائشة (٣١٤١).
(٢) ودِخْرِيص: الثوب قيل معرب، وهو عند العرب البَنِيقة، وقيل عربي، المصباح المنير (١/ ٢٥٨).
(٣) تقدم.
(٤) تفرد الصيمري بأن البارد المالح أحب إلينا من الحار، فإن كان هناك برد أو وسخ فلا بأس بالفاتر. وقال في القوت: ولو كانا باردين فالعذب أولى من المالح، وقيل المسخن أولى.

<<  <  ج: ص:  >  >>