والكافر ليس أهلاً للعبادات، ولهذا لا يصح منه الصلاة والصوم. ولعل هذا أولى من التعليل، بأنه لا يصح منه النية؛ لأن النية المعتبرة في الوضوء نية رفع الحدث، وهي متصورة من الكافر. وقال أبو بكر الفارسي (١): لا يجب إعادة الغسل ويجب إعادة الوضوء؛ لأن الغسل يصح من الكافر في بعض الأحيان، بدليل غسل الذِّمّيةِ عن الحيض لزوجها المسلم، والوضوء لا يصح منه بحال.
وحكى وجه آخر: أنه لا يجب إعادة الغسل ولا الوضوء وبه قال أبو حنيفة.
وأما مسألة الذمية، فإنها إذا طهرت من الحَيْضِ وَالنَّفَاسِ فلا يحل لزوجها المسلم غِشْيَانُهَا حتى تغتسل، كالمسلمة المجنونة تطهر من الحيض، ثم لو أسلمت الذمية بعد ذلك الغسل، أو أفاقت المجنونة، فهل يلزمها الإعادة؟ فيه وجهان:
أحدهما: وبه قال أبو بكر الفارسي لا يلزم، لأنه غسل صح في حق حل الوطء، فيصح في حكم الصلاة وغيره. وأصحهما: أنه يلزم الاعادة، لأنه ليس للكافر والمجنون أهلية العبادة، وإنما صح في حل الوطء لضرورة حق الزوج. ولهذا تُجْبَرُ الزوجة على الغُسْلِ من الحيض -مسلمة كانت أو ذمية- لحقه هذا حكم الكافر الأصلي.
أما المرتد فلا تصح منه الطهارة بحال ولم يجروا فيه الخلاف المذكور في الكافر الأصلي؛ لأن من قال: ثم لا حاجة إلى الإعادة أخذ ذلك من غسل الذمية يحل الوَطْءِ، أو من التخفيف والعفو عند الإسلام، ولا يفرض واحد منهما في المرتد.
ولو توضأ المسلم ثم ارتد، هل يبطل وضوءه؟ فيه وجهان:
أحدهما: نعم لأن ابتداء الوضوء لا يصح مع الردة، فإذا طرأت في دوامه أبطله، كالصلاة لا يصح ابتداؤها مع الردة، وتبطل إذا طرأت في دوامها.
وأصحهما: وهو المذكور في الكتاب أنه لا يبطل، حتى لا تجب الإعادة، إذا عاد إلى الإسلام؛ لأنه بعد الفراغ من الوضوء، مستديم حكمه لا فعله، وإذا كان كذلك لم يتأثر ما سبق بالردة. ألا ترى أنه إذا ارتد لم يبطل ما معنى من صومه وصلاته، حتى لا تجب إعادته بعد الإسلام! وهل يجرى هذا الخلاف في الغسل؟
(١) أحمد بن الحسين بن سهل، أبو بكر الفارسي صاحب عيون المسائل في نصوص الشافعي، وهو كتاب جليل على ما شهد به الأئمة الذين وقفوا عليه، تفقه على ابن سريج. مات في حدود سنة خمسين وثلاثمائة. وفي موته خلاف انظر ابن قاضي شهبة ١/ ١٢٣، وانظر العبادي ٤٥، وهدية العارفين ١/ ٦٥.