للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المُحْرم فلا يستر رأسه إن كان رجلاً، ووجهه إن كان امرأة على ما سبق.

الثالثة: الثوب الواحد على ما وصفناه حقّ الله -تعالى جدّه- لا تنفذ وصيّة الميت بإسقاطه والثاني والثالث حق الميت وهي بمثابة ثياب التجمُّل للحي، فلو أوصى بإسقاطها نفذ: "كمَا أَوْصَى أبُو بَكرٍ -رَضِيَ الله عَنْهُ- بِأَنْ يُكَفَّنَ فِي ثَوْبِهِ الْخَلِقِ، فَنُفِّذَتْ وَصِيَّتُهُ" (١). ولو لم يُوصِ وتنازع الورثة في أكفانه وأراد بعضهم الاقْتِصَار على ثوب واحد، فقد حكى في "النهاية" فيه طريقين:

أحدهما: أن فيه وجهين كما سنذكرهما في مضايقة الغُرَمَاء فيه.

والثاني: القطع بالمنع تقديماً لحاجة المالك، وظاهر المَذْهَب وهو المذكور في الكتاب أنه ليس لهم المُضَايَقَة سواء أثبتنا الخلاف أم لا. ولو اتَّفَقَ الورثة جميعاً على تَكْفِينِه في ثوب واحد، فقد قال في "التهذيب": يجوز وطرد صاحب "التَّتمة" الخلاف فيه. ولو كان عليه دين مستغرق فقال الغرماء: لا نكفنه إلا في ثوب واحد، فهل يجابون إليه؟ فيه وجهان:

أحدهما: لا، كالمُفْلس الحي تترك عليه ثياب تجمله.

وأظهرهما: نعم، فإن السّتر قد حصل وهو إلى إبراء ذمته أحوج منه إلى زيادة الستر بخلاف الحي يحتاج إلى التجمل ويتقلب بين الناس.

الرابعة: مَحِلُّ الكفن رأس مال التَّركة إن ترك الميّت مالاً يقدم على الديون والوصايا والميراث، نعم لا يباع المرهون في الكفن ولا العبد الجَانِي ولا المال الذي فيه الزكاة فإنه كالمرهون بها، وإن لم يترك مالاً فكفَّنه على من هو في نفقته، فيجب على القَرِيب كفن القريب وعلى السيد كفن العبد وأم الولد، وكذلك يجب كفن المكاتب عليه؛ لأن الكتابة تنفسخ بالموت، ولا فرق في الأولاد بين الصِّغار والكبار؛ لأن نفقتهم واجبة إذا كانوا عاجزين زَمْنَى والميت عاجزٌ، ذكره في التَّتمة.

وهل يجب على الزوج تكفين الزوجة ومؤنتها؟ فيه وجهان:

أحدهما -وبه قال ابن أبي هريرة-؛ لا؛ لأن مُؤْنَةَ الزوجة إنَّما تجب على الزَّوج مفي مُقَابلة التَّمكين من الاسْتِمْتَاع فإذا ماتت فقد زال هذا المعنى، وبهذا الوجه قال مالك وأبو حنيفة [وأحمد] (٢) -رحمهم الله-.

وأصحهما: أنه يجب ذلك على الزَّوج، لأنها في نفقته في الحياة فيلزمه مؤنتها


(١) أخرجه البخاري من رواية عائشة -رضي الله عنها- (١٣٨٧).
(٢) سقط في ط.

<<  <  ج: ص:  >  >>