للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أظهرهما: أنها غير جائزة، ولو جازت لوجب كالصلاة على سائر الموتى.

والثاني: أنها جائزة، وإنما تترك رُخْصَة لمكان. الاشْتِغال بالحرب، وهذا ما صححه الشيخ أبو محمد فيما علق عليه، وأما الغسل فقد أطلق في "التّهذيب" المنع منه، وذكر الإمام: أنه لا سبيل إليه، وإن جوزنا الصلاة إذا أدى غسله إلى إزالة دم الشَّهادة، فإن لم يكن عليه دم ففي غسله تردد، كما في الصلاة إذا تكرر ذلك فلا بد من معرفة الشهيد. واعلم: أن اسم الشهيد قد يخصّ في الفقه بمن لا يغسل ولا يصلى عليه، وعلى هذاً فقوله: "والشّهيد من مات بسبب القتال ... " إلى آخره، مجرى على ظاهره، وقد يسمى كل مقتول ظلماً شهيداً، وهو أظهر ألا ترى أن الشّافعي -رضي الله عنه- يقول في "المختصر": و"الشُّهداء الذين عاشوا وأكلوا الطعام ... " إلى أن قال: "كغيرهم من الموتى" أثبت اسم الشهداة مع الحكم بأنهم كسائر الموتى، وعلى هذا فقوله في الكتاب: "والشهيد من مات" أي: والشَّهيد الذي ذكرنا أنه لا يغسل، ولا يصلى عليه، وعلى هذا الاصطلاح نقول: الشهداء نوعان:

أحدهما: الدين لا يغسلون ولا يصلى عليهم، وضبط في الكتاب فقال: "والشَّهيد من مات بسبب القتال مع الكفار في وقت قيام القتال" وقد اشتمل على ثلاثة معان:

الموت بسبب القتال، وكونه قتال الكفار، وكون الموت في قيام القتال ويدخل فيه ما إذا قتله مشرك، وما إذا أصابه سلاح مسلم خطأ، أو عاد إليه سهمه، أو تردى في حملته في وَهْدَة، أو سقط على فرسه، أو رَفَسَتْه دابَّة فمات، وما إذا انكشف الحَرْبُ عن قتيل من المسلمين سواء كان عليه أثر أم لا؛ لأن الظاهر موته بسبب من أسباب القتال، ويحتمل أنه مات لِسَقْطَة وغيرها، فلم يظهر عليه أثر. وعند أبي حنيفة وأحمد: إن لم يكن عليه أثر غُسل وصلى عليه، ومهما فقد أحد المعاني التي يتركب عنها الضابط، ففي ثبوت حكم الشهادة خلاف، ويتبين ذلك بمسائل:

إحداها: المقتول من أهل العَدْلِ في مُعْتَرك أهل البغي، هل يغسل ويصلى عليه؟ فيه قولان:

إحداهما: لا، وبه قال أبو حنيفة في الغسل كالمقتول في معترك الكفار، ويروى أن عليّاً -رضي الله عنه- "لَمْ يُغَسِّلْ مَنْ قُتِل مَعَهُ (١)، وَأَوْصَى عَمَّارٌ -رضي الله عنه- بأَنْ لاَ يُغَسَّلَ (٢).


(١) قال ابن عبد البر جاء من طرق صحاح أن زيد بن صوحان قال: لا تنزعوا عني ثوباً ولا تغسلوا عني دماً وادفنوني في ثيابي، وقتل يوم الحمل. انظر التلخيص (٢/ ١٤٤).
(٢) أخرجه البيهقي (٤/ ١٧)، وصححه ابن السكن.

<<  <  ج: ص:  >  >>