للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تردُّداً، واختار الحصول (١). إذا وقفت على ما ذكرنا عرفت أنه ليس الغرض من قوله في الكتاب: "ثم الأَفْضَلُ لمشيع الجنازة ... " إلخ أنه الأفضل على الإطلاق بل فوقه ما هو أفضل منه، وإنما المراد أنه أفضل من الانْصِرَاف عُقَيْبَ الصلاة.

ويستحب أن يلقن الميت بعد الدفن، فيقال: يا عبد الله ابن أَمَةِ الله اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأن الجنة حق، وأن النار حق، وأن البعث حق، وأن السَّاعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، وأنك رضيت بالله ربًّا، وبالإسْلاَم ديناً، وبمحمد نبيًّا، وبالقرآن إماماً، وبالكعبةِ قِبْلَةً، وبالمؤمنين إخواناً، ورد الخبرَ به عن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- (٢).

قال الغزالي: فَرْعَانِ، الأَوَّلُ: لاَ يُدْفَنُ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ مَيِّتَان إلاَّ لِحَاجَة، ثُمَّ يُقَدَّمُ الأَفْضَلُ إلَى جِدَارِ اللَّحْدِ، وَلاَ يُجْمَعُ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إلاَّ لِشِدَّةِ الحَاجَةِ، ثُمَّ يُجْعَلُ بَيْنَهُمَا حَاجِزٌ مِنَ التُّرَابِ.

قال الرافعي: المستحبُّ في حال الاختيار أن يدفن كل ميت في قبر، كذلك فعل النّبي -صلى الله عليه وسلم- وأمر به، فإن أكثر الموتى بقتل وغيره، وعسر إفراد كل ميت بقبر دفن الاثْنَان والثَّلاثة في قبر واحد (٣)، لما روي "أَنَّهُ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ لِلأَنْصَارِ يَوْمَ أُحُدٍ احْفُرُوا وَأَوْسِعُوا


(١) قال النووي: وحكى صاحب "الحاوي" في هذا التردد وجهين، وقال: أصحهما: لا تحصل إلاَّ بالفراغ ودقته، وهذا هو المختار، ويحتج له برواية البخاري "حتى يفرغ من دفنها" ويحتج للآخر برواية مسلم في "صحيحه": "حتى توضع في اللحد" - والله أعلم-.
(٢) قال النووي: هذا التلقين استحبه جماعات من أصحابنا، منهم: القاضي حسين، وصاحب "التتمة" والشيخ نصر المقدسي في كتابه "التهذيب" وغيرهم، ونقله القاضي حسين عن أصحابنا مطلقاً. والحديث الوارد فيه ضعيف، لكن أحاديث الفضائل يتسامح فيها عند أهل العلم من المحدثين وغيرهم، وقد اعتضد هذا الحديث بشواهد من الأحاديث الصحيحة، كحديث "اسألوا الله له التثبيت" ووصية عمرو بن العاص "أقيموا عند قبري قدر ما تنحر جزور، ويقسم لحمها حتى استأنس بكم، وأعلم ماذا أراجع به رسل ربي" رواه مسلم في "صحيحة" ولم يزل أهل الشام على العمل بهذا التلقين من العصر الأول، وفي زمن من يقتدى به. قال أصحابنا: ويقعد الملقن عند رأس القبر، وأما الطفل ونحوه، فلا يلقن -والله أعلم- ينظر الروضة (١/ ٦٥٥).
(٣) قيل في هذا الكلام إجمال، ومن المهم أن هذا هل هو للتحريم أو الكراهة؟ قال الشيخ الإمام السبكي: والذي تحرر أن لها ثلاثة حالات:
إحداها: دفن اثنين من نوعٍ كرجلين أو امرأتين ابتداء فيجوز لكن يكره، لأنه إنما فعل يوم أحُدُ للحاجة، وممن صَرَّح بالكراهة المارودي في الإقناع وعبارة الشافعي وكثير من الأصحاب لا يستحب، وعن السرخس لا يجوز وتبعه النووي، والأصح ما قلناه من الاقتصار على الكراهة أو نفي الاستحباب، فإن حصلت حاجة زالت الكراهة كما فعله النبي -صلى الله عليه وسلم- في قتلى أحد. ينظر الروضة (١/ ٦٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>