للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَمِّقُوا، وَاجْعَلُوا الاِثْنَيْنِ وَالثَّلاثَةِ فِي الْقَبْرِ الْوَاحِدِ، وَقَدِّمُوا أكْثَرَهُمْ قُرْآناً" (١).

وليقدم الأفضل إلى جدار اللَّحد مما يَلِي الِقْبلة، ويقدم الأب على الابن، وإن كان الابن أَفْضَل لحرمة الأبوَّة، وكذلك تقدم الأمّ على البنت، ولا يجمع بين الرِّجال والنِّساء، إلا عند شدة الحاجة، وانْتِهَائِهَا إلى الضَّرُورَةِ، ويجعل بينهما حاجز من التراب، ويقدم الرَّجل وإن كان ابْناً، والمرأة أمه، فإن اجتمع رجل وامرأة وخُنْثَى وصبي قدم الرجل ثم الصبي ثم الخنثى ثم المرأة، والسابق إلى الفهم من لفظ الكتاب وإشارة جمع من الأصحاب أنه لا حاجة إلى الحاجز بين الرجلين وبين المرأتين، وإنما الحَاجِزُ عند اختلاف النوع، وذكر العراقيون أنه يجعل بين الرجلين حاجز أيضاً، وكذا بين المرأتين والله أعلم.

قال الغزالي: الثَّاني: القبْرُ يُحْتَرَمُ فَيُصَانُ عَنِ الجُلُوسِ وَالمَشْيِ وَالاْتِّكَاءِ عَلَيْهِ، بَلْ يَقْرُبُ الإِنْسَانُ مِنْهُ كَمَا يَقْرُب مِنْهُ فِي زِيَارَتهِ لَوْ كَانَ حَيَّا، وَلاَ يُنْبَشُ القَبْرُ إِلاَّ إِذَا انْمَحَقَ أَثَرِّ المَيِّتِ بِطُولِ الزَّمَانِ، أَوْ دُفِنَ مِنْ غَيْرِ غُسْلٍ، أَوْ فِي أَرْض مَغْصُوبَةٍ، أوْ فِي كَفَنٍ مَغْصُوبٍ (و)، وَلَوْ دُفِنَ قَبْلَ التَّكْفِينِ لَمْ يُنْبَشْ عَلَى أَظْهَرِ الوَجْهَيْنِ، وَاكْتُفِيَ بالتُّرَابِ سَاتِرَاً، وَلاَ يُصَلَّى عَلَى جَنَازَة مَرَّتَيْنِ إِلاَّ أَنْ يَحْضُرَ الوَلِيُّ وَقَدْ صَلَّي عَلَيْهِ غَيْرُهُ فَيُصَلَّى، وَلاَ يُكْرَهُ الدَّفْنُ لَيْلاً، فَإِنْ دُفِنَت ذِمِّيَّةٌ حَامِل بِمُسْلِم دُفِنَتْ بَيْنَ مَقَابِرِ المُسْلِمِينَ والكُفَّارِ، وَقِيلَ: يُجْعَلُ ظَهْرُهَا إِلَى المَقْبَرَةِ، فَإِنْ ابْتَلَعَ جَوْهَرَةً لِغيْرِهِ وَمَاتَ شُقَّ جَوْفُهُ عَلَى الأَصَحِّ، وِإنْ كَانَتْ لَهُ فَوَجْهَانِ أَيْضاً.

قال الرافعي: أصل الفرع أن القبر محترم توقيراً للميت، ويبنى عليه مسائل:

إحداها: أنه يكره الجلوس عليه والاتِّكَاء وكذلك وطؤه إلا لحاجة، بأنْ لا يصل إلى قبر ميته إلا بوطْئِهِ. وعن مالك: أنه لا يُكْرَهُ شيء من ذلك.

لنا ما روي أنَّ النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "لِأَنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ فَتَحْرِقُ ثِيَابَهُ فَتَخْلُصَ إِلَى جِلْدِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنَ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ" (٢).

الثانية: يستحب زيارة القُبُور للرِّجال؛ لما روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ، فَزُورُوهَا؛ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الآخِرَةَ" (٣). وَأَمَّا النِّسَاء فهل يكره لهن الزيارة؟ فيه وجهان:


(١) أخرجه الطبراني في الكبير (٧٩٧٩)، وقال الهيثمي في المجمع (٣/ ٢٤٦)، وفي إسناده جماعة لم أعرفهم.
(٢) أخرجه مسلم (٩٧١).
(٣) أخرجه مسلم (٩٧٧)، والترمذي (١٠٥٤) واللفظ له.

<<  <  ج: ص:  >  >>