إن أنواع النباتات والحيوانات انقلبت في أطوار، وتبدلت عليها صور مختلفة بمرور الزمان، وكرور الدهور، حتى وصلت إلى هيآتها وصورها الموجودة المشهورة لنا، وذلك على زعمه: أن الجواهر متحركة حركة أزلية في فراغ هذا الخلاء الذي لا نهاية له بانحراف فيه، لا بعضها عن موازاة بعض بحيث يصطدم بعضها ببعض، وتحدث حركة لولبية مخروطية كحركة الزوابع، وهذه الحركة تؤدي إلى تراكيب وصور عديدة متنوعة ومتغيرة، ومن مزاعمه هذه استنتج بعض من اعتنى بكلامه، أن جميع ظواهر الطبيعة عنده، ليست إلا فعل الصدفة العمياء، ومن مزاعم أبيقورس: أن الإنسان في بعض أطواره كان مثل الخنزير، مستور البشرة بالشعر الكثيف، ثم أنه لم يزل ينتقل من طور إلى طور حتى وصل بالتدريج إلى ما نراه من الصور الحسنة والخلق القويم، ثم أنه لم يقم دليلًا على ما ادعاه، ولم يستند إلى برهان فيما زعمه، من أن مرور الزمان علة لتبدل الصور وترقي الأنواع، وعند أبيقورس: أن جميع الآلهة ليست إلا بشرًا أكمل من البشر، ومكانها في مكان سعيد خال من الوجع، وأنها كوائن أزلية لا يعتريها موت ولا عمل لها، وهي مقيمة في الفسحات الكائنة بين العوالم لا يهمها من الأرض شيء، ولا من مجرى الطبيعة، وعنده أن احترامها لا يجب إلا بالنظر لكمالها.
ولم يزل مثل هذا الاختباط سائدًا إلى أن ظهر فن طبقات الأرض، المسمى:"بالجيولوجيا"، فكشف لهم بطلان القول بقدم الأنواع، فرجع المتأخرون من الماديين عن ذلك القول إلى القول بالحدوث، ولكنهم صاروا بعد ذلك فريقين في كيفية كون الجراثيم النباتية والحيوانية، فذهب فريق: إلى أن جميع الجراثيم على اختلاف أنواعها، تكونت عندما أخذ التهاب الأرض في التناقص، ثم انقطع التكون بانقضاء ذلك الطور الأرضي. وذهب الفريق الثاني: إلى أن الجراثيم لم تزل تتكون حتى اليوم، خصوصًا في خط الاستواء حيث تشتد الحرارة، وليس عند الفريقين برهان يعولون عليه، أو برهان يستندون إليه، إلا مجرد المزاعم والدعوى، الذي لأجله على زعمهم بقيت تلك الجراثيم حية لا يعتريها فناء، خصوصًا بعدما أسسوه من قواعدهم، بأن الحياة فاعل في بسائط الأجرام، موجب لالتئامها، حافظ لكونها، وأن قوتها الغازية هي التي تجعل غير