للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنس: "أَنَّ أبَا بَكر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- كَتَبَ لَهُ فَرِيضَةَ الصَّدَقَةِ الَّتِي أَمَرَ اللهُ تَعَالَى رَسُولَهُ -صلى الله عليه وسلم- بِهَا، وَفِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ فِي سَائِمَتِهِا إِذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ إلَى عِشْرِينَ وَمَائَةٍ شاة" (١).

إذا عرف ذلك فالسَّائمة في جميع الحَوْل تجب فيها الزّكاة، والمَعْلوفة في جميع الحول أو أكثره لا زكاة فيها، وإن أُسِيمت بعض الحَوْل، وعلفت في بعضه وهو دون المعظم. فقد حكى في الكتاب فيه أربعة أوجه:

أفقهها (٢) عنده: أنه إن علفت قدراً يعد مؤنة بالإضافة إلى رفق السَّائمة فلا زكاة، وإن استحقر بالإضافة إليه وجبت الزَّكاة كما لو أُسِيمَت في جميع الحَوْل، وفسر رفق السائمة بدرِّهَا ونَسْلها وأصْوافها وأوبارها، ويجوز أن يقال: المراد منه رفق إسَامَتِهَا فإنَّ في الرعي تخفيفاً عظيماً، فإن كان قدر العلف حقيراً بالإضافة إليه فلا عبرة به، وإلى هذا الوجه يميل كلام القَاضِي ابن كج، وفيما علَّق عن الشَّيخ أبي محمد أنَّ أبا إسحاق رجع إليه بعدما كان يعتبر الأغلب.

والثاني: أن ذلك لا أثر له وإنما ينقطع الحَوْل وتسقط الزكاة العَلَفِ في أكثر السنة وبه قال أبو حنيفة وأحمد -رحمهما الله-؛ لأنه إذا كانت الإسَامَة أكثر تخفف المُؤْنَة.

ويحكى هذا عن ابن أبي هريرة تخريجاً من أحد القولين في السَّقي بماء السماء والنّضح: أنه يعتبر الأغلب منهما وعلى هذا الوجه لو استويا قال في "النهاية": فيه تردد، والأظهر السّقوط.

والوجه الثالث: أنه إن علف قدراً كانت الماشية تعيش لولاه لم يؤثر وإن علف قدراً كانت تموت لو لم ترع ولا علفت في تلك المدة انقطع الحول وسقطت الزكاة لظهور المؤنة، وهذا هو الذي ذكره الصَّيدلاني وصاحب "المهذب" وكثير من الأئمة، وقد قيل: إن الماشية تصبر عن العَلَفِ اليوم واليومين ولا تصبر ثلاثة فصاعداً.

قال في "النهاية": ولا يبعد أن يلحق الضَّرب البيّن بالهلاك على هذه الطريقة.

والوجه الرابع: أن ما يتمول من العلف وإن قلّ يبطل حكم السوم فلو أسيمت بعد ذلك اسْتُؤنف الحَوْل؛ لأن رفق السَّوم لم يتكامل.

فإن قلت: هذه الوجوه مخصوصة بما إذا لم يقصد بالعَلَفِ قطع السَّوم وإن قصده


(١) تقدم.
(٢) لم يصرحا به بترجيح إلا أنه يشعر كلامهما بترجيح ما رجحا من زيادة "الروضة"، وفي "المحرر" و"المنهاج" إن علفت قدراً يعيش بدونه لم يؤثر، ووجبت الزكاة وإلا فلا، ورجح في "الشرح الصغير" أنها إن علفت قدراً يعد مؤنة بالإضافة إلى رمق السائمة فلا زكاة، وإن استحقر بالإضافة إليه وجبت الزكاة، وفسر الرمق بدرها ونسلها وأصوافها وأدبارها كما هو مذكور هنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>