للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما إذا لم يكن من منفق عليه من أب وجد وغيرهما فقد حكى القاضي ابن كَجٍّ عن أبي إسحاق أنه لا يجوز صرف الزكاة إليه لاسْتِغْنائه عن الزكاة بالسّهم المصروف إلى اليتامى من الغنيمة. وعن ابن أبي هريرة: أنه يجوز صرف الزكاة إلى قيمة قال: وهذا هو المذهب. إذا عرفت ذلك فإن قلنا بجواز الصرف فحاجة أطفال المساكين كسؤال البالغين إذ ليس لهم أهلية النظر والتماس التسلف، فتسلف الإمام الزكاة واستقراضه لهم كاستقراض قيم اليتيم له.

هذا إذا كان الذي يلي أمرهم الإمام، فأما إذا كان يلي أمرهم من هو مقدّم على الإمام فحاجتهم كحاجة البالغين؛ لأن لهم من يسأل التسلف لو كان صلاحهم فيه.

أما إذا قلنا: لا يجوز الصرف إلى الصَّغير فلا تجيء هذه المَسْألة في سهم الفُقَراء والمساكين، ويجوز أَنْ تجيء في سَهْمِ الغارمين ونحوه؛ لأن الخلاف في المكفي بنفقة أبيه لا يتَّجه في سهم الغارمين إذ ليس على القريب قضاء دَيْن القريب.

وفي المسائل كلها لو تلف المعجّل في يد الساعي أو الإمام بعد تمام الحول، سقطت الزَّكَاة عن المالك، لأن الحصول في يدهما بعد الحول كالوصول إلى المَسَاكين كما لو أخذ بَعْدَ الحَوْل ثم إن فرط في الدَّفع إليهم ضمن من مال نفسه لهم، وإلاَّ فلا ضمان على أحد، وليس من التفريط أن ينتظر انضمام غيره إليه لقلته، فإنه لا يجب تفريق كل قليل يحصل عنده (١).

وعد بعد هذا إلى لَفْظِ الكتاب، واعلم أن قوله: "وهو فوات شرط الوجوب" يفتقر إلى التأويل إذ ليست الطوارئ المانعة من الإجزاء منحصرة في ذوات شرط الوجوب بل ذوات شرط الاستحقاق في القابض مانع من الإجزاء أيضاً، وأيضاً فإنه قال: "وذلك في القابض بأن يرتد ... " إلى آخره وصفات القابض ليست من شرط الوجوب في شيء وإنما هي من شرائط جواز الصرف إليه.

وقوله: "بأن يرتد أو يموت أو يستغني" معلَّم بالحاء؛ لأن عند أبي حنيفة تغير حال القابض لا يؤثر إذا كان عند الأَخْذ بصفة الاسْتِحْقاق. وقوله: أو في المالك بأن يرتدّ يجوز أن يرقم قوله: "يرتد" بالواو، ولأنا إن أبقينا ملك المرتد، وجوزنا إخراج الزكاة في حالة الرِّدة أجزأ المعجل. وقوله: "أما المال لو تلف .. " إلى آخر الفصل


(١) قال ابن الرفعة: ولا اشتغاله بتصرف أموالهم بقدر حاجتهم. نعم منه إذا عرف ذلك من كثرة المال ولم يفرقه، سواء طالبوه بذلك أم لا، وليس كالوكيل إذ لم يطالبه موكله بما في يده لأنه لا يضر، لأن الموكل متعين والمساكين غير متعينين، فله أن يخرج البعض دون البعض، فلا معنى لطلبهم، فإذا لم يفعل علمنا أنه مفرط.

<<  <  ج: ص:  >  >>