قال صاحب الوجه الأول: هذا يشكل بما إذا قال: هذه الدراهم عن مالي الغائب وكان تالفًا فإنه يقع صدقة، ولا يتمكّن من الرجوع إلاَّ إذا شرط الرجوع بتقدير تَلَفِ الغائب، أجاب الصَّيْدَلانيّ بأنه قد تعرض لكونها معجّلة، وإذا تعرض لذلك فقد شرط الرجوع إن عرض مانع، وهذا غير واضح كما ينبغي، وقرب إمام الحرمين الوجهين في المسألة من القولين فيما إذا نوى الظُّهر قبل الزَّوَال هَل تَنْعَقِد صلاته نَفْلاً؟ وهذان الوَجْهَان فيما إذا دفع المَالِك بنفسه، وفيه تكلم صاحب الكتاب، ألا تراه يقول: فلو قال هذه زَكَاتي المعجَّلة، والإمام لا يقول ذلك.
أما إذا دفع الإمام فلا يمكن جعله نافلة فلا حاجة إلى شرط الرُّجوع، لكن لو لم يعلم القابض أنه زكاة غيره فيجوز أن يقال على الوجه الأول: لا يسترد وعلى الإمام الضمان للمالك لتقصيره بترك شرط الرجوع، ولو جرى الدفع من غير تعرض للتعجيل، ولا علم القابض به فهل يثبت الاسترداد؟ ظاهر نصه في "المختصر" أنه إذا كان المعطي الإمام يثبت، وإن أعطئ المالك بنفسه فلا يثبت، وللأصحاب فيه طريقان:
أحدهمأن: تقرير النَّصين.
والفرق: أن المالك يعطي من ماله الفرض والتطوع، فإذا لم يقع عن الفرض وقع تطوعاً، والإمام يقسم مال الغير فلا يعطي إلاَّ الفرض فكان مطلق دفعه كالمقيد بالفرض، وهذا هو الذي ذكره القاضي ابن كَجٍّ وعامة أصحابنا العراقيين.
والثاني: أنه لا فرق بين الإمام والمالك؛ لأن الإمام قد يتصدق بمال نفسه كما يفرق مال الغير، وبتقدير أن لا يقسم إلاَّ الفرض، لكنه قد يكون معجلاً وقد يكون في وقته، واختلف هؤلاء على طريقين:
أحدهما: تنزيل النصين على حالين، حيث قال: يثبت الرجوع، فذلك عند وقوع التعرض للتعجيل، وحيث قال: لا يثبت فذلك عند إهماله، والإمام والمالك يستويان في الحالتين، وذكر في "الشامل" أن الشيخ أبا حامد حكى هذا الطريق أيضاً، وهو الذي أورده الجَامِعُون لطريقة القفَّال واختياراته.
والثاني: أن فيهما قولين نقلاً وتخريجاً.
أحدهما: أنه يثبت الرجوع كما لو دفع مالاً إلى غيره، على ظن أن له عليه ديناً فلم يكن له الاسْتِرداد:
والثاني: لا يثبت؛ الصَّدقة تنقسم إلى فرض وتطوع، وإذا لم تقع فرضاً تقع تطوعاً، كما لو أخرج زكاة ماله الغائب، وهو يظن سلامته فَبَانَ تالفاً يقع تطوعاً، وهذا الطريق أوفق لما ذكره في الكتاب إلا إنه حكى بدل القولين وجهين، وكذا فعل إمام