قال الرافعي: الَّذِي يحتاج إلى معرفته أولاً، وقد أشار إليه في أثناء الفصل أن المعجل للزكاة مضموم إلى ما عنده ونازل منزلة ما لو كان في يده.
بيانه: لو أخرج شاة من أربعين ثم حال الحول ولم يطرأ مانع أجزأه ما عجل، وكانت تلك الشَّاة بمثابة الباقيات عنده.
ولو عجل شاة عن مائة وعشرين، ثم نتجت واحدة أو عن مائة وحدثت عشرون وبلغت غنمه مع الواحدة المعجلة مائة وإحدى وعشرين لزمه شاة أخرى، وإن أنفق القابض تلك المعجلة، ولو عجل شاتين عن مائتين ثم حدثت سَخْلَة قبل الحَوْل فقد بلغت غنمه مع المعجلتين مائتين وواحدة، فيلزمه عند تمام الحول شاة ثالثة، فلو كانت المعجلة في هاتين الصورتين مَعْلُوفة أو اشتراها وأخرجها لم يجب شيء زائد؛ لأن المعلوفة والمشتراة لا يتم بهما النصاب، وإن جاز إخراجهما عن الزكاة، وخالف أبو حنيفة هذا الأصل فلم يُجَوِّز التعجيل إلا بشرط أن يكون الباقي عنده نصاباً ولم يجعل المعجل مضموماً إلى ما عنده فيخرج من ذلك امْتِنَاع التَّعجيل في الصورة الأولى، وأن لا تجب شاة ثانية في الثانية ولا ثالثة في الثالثة، وساعدنا أحمد على ما ذكرنا، واحتج الأصحاب على جواز التعجيل عن الأربعين فحسب بأمن قالوا: هذا نصاب يجب الزَّكَاة فيه بحولان الحول فجاز تعجيلها منه كما لو كان أكثر من أربعين، واحتج الشافعي -رضي الله عنه- علي تكميل النِّصَاب الثاني والثالث بالمعجل بأن التعجيل إنما جوز إرفاقاً بالفقراء، فلا يجوز أن يصير سبباً لإسقاط حقوقهم، ومعلوم أنه لولا التعجيل لوجبت زيادة على ما أخرجه.
إذا عرفت ذلك فلا يخلو الحال بعد تعجيل الزكاة إما أن يتم الحول على السَّلامة أو يعرض مانع فإن تَمَّ الحَوْل على السَّلاَمة أجزأه ما أخرج، ثم كيف التَّقْدِير إذا كان الباقي عنده ناقصاً عن النِّصاب كما لو لم يملك إلا أربعين فعجل منها واحدة: أيزول الملك عن المعجل ومع ذلك يحتسب عن الزكاة أم لا يزول؟ عن صاحب "التقريب": أنه يقدر كأنَّ صاحب الملك لم يزل لينقضي الحول وفي ملكه نصاب واستبعد إمام الحرمين ذلك. وقال: تصرف القابض فيه نافذ بالبيع والهبة وغيرهما، فكيف نقول ببقاء ملك المعطي. وهذا الاستبعاد حتى إن أراد صاحب "التقريب" بقاء ملكه حقيقة إلى آخر الحَوْل، وإن أراد أنه نازل منزلة الباقي حتى يكون مجزئاً عن زكاته ويكمل به النصاب الآخر فلا استبعاد، والأصحاب مطبقون عليه وكأنه اكتفى عن التعجيل بمضي ما سبق من الحول على كمال النصاب رفقاً بالفقراء، فهذا إذا تم الحول على السَّلامة، وإن عرض مانع من وقوع المعجل زكاة فينظر إن كان المخرج أهلاً للوجوب وبقي في يده نصاب لزمه الإخراج ثانياً، وإن كان الباقي دون النصاب فحيث لا يثبت الاسترداد فلا