للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو ما روي أنه كتب إلى بني خفاش: "أَنْ أَدُّوا زَكاةَ الذُّرَةِ وَالْوَرْسِ" (١). ثم قال في القديم: من قال في الوَرْس العشر يحتمل أن يقول بمثله في الزَّعْفَرَان لاشتراكهما في المنفعة والفائدة، ويحتمل أن لا يوجب فيه شيئاً؛ لأن الوَرْسَ ثمرة شجرة لها ساق والزعفران نبات كالخضروات. فقال الصَّيدلاني وغيره: له في الوَرْس قولان في القديم: لأنه مِثْل، وعلق بثبوت حديث أبي بكر -رضي الله عنه- والزعفران باتفاق الأصحاب مرتب على الوَرْس إن لم تجب فيه ففي الزعفران أولى، وإن وجب ففي الزعفران قولان، وإن أوجبنا فيهما الزكاة ففي اعتبار النصاب ما سبق من الخلاف، والأكثرون على عدم الاعتبار هاهنا؛ لأن الأثر الوارد مطلق، والغالب أنه لا يحصل الواحد منهما قدر النصاب، فدل أنه كان يؤخذ من القليل والكثير.

ومنها العَسَل، فالجديد أنه كما سبق، وبه قال مالك لما روى أن معاذاً لم يأخذ زكاة العَسَل (٢)، وقال: "لَم يَأمُرْنِي النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فِيهِ بِشَيْءِ". وعن علي (٣)، وابن عمر (٤) -رضي الله عنهم-: "أنَّهُ لاَ زَكَاةَ فِيهِ". وعن أبي إسحاق أن الشافعي -رضي الله عنه- علق القول فيه في القديم لما روي أن أبا بكر -رضي الله عنه-: "كَانَ يَأْخُذُ الزَّكَاةَ مِنْهُ". وروى فيه الخبر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- (٥) أيضاً. فإن قلنا بالوجوب فاعتبار النِّصَاب فيه كما سبق (٦)، ومذهب أحمد وجوب الزكاة فيه. وبه قال أبو حنيفة -رحمه الله-: إذا أخذه من غير أرض الخراج، وذهب الشيخ أبو حامد وغيره إلى أنه قطع القول بنفي الزكاة فيه قديماً وجديداً، فيحصل فيه طريقان (٧):


(١) ضعيف أخرجه الشافعي كذا في الخلاصة لابن الملقن (١/ ٣٠٣).
(٢) أخرجه أبو داود في مراسليه من رواية طاوس عنه، وهو مرسل، وطاوس لم يدرك معاذاً لكنه مرسل جيد، لأنه وإن لم يدركه، فإنه أعرف بقضاياه وأحكامه، كما أشار إليه الشافعي. انظر خلاصة البدر (١/ ٣٠٠) والتلخيص (٢/ ١٦٧).
(٣) أخرجه البيهقي بإسناد فيه حسن بن زيد، وهو ضعيف (٤/ ١٢٧).
(٤) قال ابن الملقن (١/ ٣٠٤): ذكره ابن المنذر.
(٥) أخرجه الترمذي (٦٢٩)، والبيهقي (٤/ ١٢٦) من حديث ابن عمر، وأبو داود (١٦٠٠، ٦٠١، ١٦٠٢)، والنساتي (٥/ ٤٦) من حديث عمرو بن شعيب، وانظر التلخيص (٢/ ١٦٧ - ١٦٨).
(٦) وهو يقتضي أن المراد نصاب خمسة أوسق، لكن الحديث الذي استدلوا به على وجوبه فيه الأمر بأخذ العشر منه من غير تفضيل بين قلة أو كثرة وجرى عليه القاضي أبو الطيب وابن الصباح وغيرهما، وكذا قال الدارمي: العسل قليله وكثيره سواه. وقال الشيخ أبو علي في "شرح التلخيص": اعتبار النصاب فيه وجهان ذكرهما ابن القطان قياساً على المعادن.
(٧) أحدهما: يخرج من القليل والكثير.
والثاني: إذا بلغ خمسة أوسق.

<<  <  ج: ص:  >  >>