للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأظهرهما -ولم يذكر أكثر العراقيين سواه-: أنه يكون مالَ تجارة، لأنه مال مَلَكَهُ بِمُعَاوَضَة؛ ولهذا ثبتت الشُّفعَة فيما ملك بهما، وأجرى الوجهان في المال المصالح عليه عن الدَّم، والذي أَجَّرَ بِهِ نَفْسَه، أو ماله إذا نوى بهما التجارة، وفيما إذا كان تَصَرُّفُه في المَنَافع بأن كان يستأجر المستغلات ويؤاجرها على قَصْدِ التِّجَارة.

قال الغزالي: وَالنِّصَابُ مُعْتَبَرٌ فِي أَوَّلِ الحَوْلِ وَآخِرِهِ دُونَ الوَسَطِ عَلَى قَوْلٍ وَفي جَمِيعِ الحَوْلِ عَلَى قَوْلٍ، وَفي آخِرِ الحَوْلِ فَقَطْ عَلَى قَوْلٍ لِأَنَّ انْخِفَاضَ السِّعْرِ لاَ يَنْضَبِطُ، فَلَو صَارَ النُّقْصَانُ مَحْسُوساً بِالتَّنْضِيضِ فَفِي انْقِطَاعِ الحَوْلِ عَلَى هَذَا القَوْلِ وَجْهَانِ.

قال الرافعي: لا خلاف في اعتبار الحول في زكاة التجارة، ويدل عليه مطلق قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُوَلَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ" (١).

والنِّصَاب معتبرٌ أيضاً لكن في وقت اعتباره ثلاثة أقوال على ما ذكر صاحب الكتاب، والإمام. أحدها: أنه يعتبر في أول الحول، وآخره، أما في الأول فليجر في الحول، وأما في الآخر فلأنه وَقْتُ الوجوب ولا يعتبر فيما بينهما لِعُسْرِ مُرَاعَاة النِّصَاب بالقيمة؛ فإن الأسعار تضطرب انخفاضاً وارتفاعاً.

وثانيها: أنها تعتبر في جميع الحول، كما في المواشي، فعلى هذا لو نقصت القيمة عن النِّصَاب في لحظة، انقطع الحول، فإن كمل بعد ذلك استأنف الحول.

وأصحها: أنه لا يعتبر إلاَّ في آخر الحَوْلِ، أما أنه لا يعتبر في أثنائه فلما سبق، وأما أنه لا يعتبر في أوله فكالزيادة على النِّصَاب؛ لما لم يشترط وجودها في أثناء الحول؛ لوجوب زكاتها لم يشترط وجودها في أول الحول، فعلى هذا لو اشترى عرضاً للتجارة بشيء يسير انعقد الحول عليه، ووجبت الزَّكاة فِيهِ إِذَا بلغت قيمته نِصَاباً في آخر الحول، واحتج لهذا القول بحديث حماس، فإنه لم ينظر إلى القيمة إلا في الحال، ولم يبحث عما تقدَّم، ليس هذا الاحتجاج كما ينبغي، وعبر الأكثرون عن الخلاف في المسألة بالوجوه دون الأقوال، وسبب اختلاف العبارة أنها جميعاً ليست مَنْصُوصَة، وإنما المنصوص منها الثَّالِثُ، والأَوَّلاَن خَرَّجهما شيوخ الأصحاب، هكذا حكى الشيخ أبو علي، والمذاهب المخرجة يعبر عنها بالوجوه تارة، وبالأقوال أخرى وبالقول الثاني قال ابن سُرَيْج، ونسبه ابْنُ عَبْدَان إليه الأول -والله أعلم-. ويجوز أن يعلم الأول بالميم، والألف، والثاني بالميم والحاء، والثالث بالحاء والألف؛ لأن مذهب أبي حنيفة -رحمه الله- مثل القَوْلِ الأَوَّلِ، ومذهب أحمد مثل الثاني، ومذهب مالك مثل الثَّالِث،


(١) تقدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>