للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الرافعي: غرض الفصل: الكلام في بيان ابتداء الحَوْلِ. وجملته أن مال التجارة لا يخلو: إما أن يملكه بأحد النَّقْدَين، أو بغيرهما. فإن ملكه بأحد النقدين (١)، نظر أن كان نصاباً، أما لو اشترى بعشرين ديناراً، أو بمائتي درهم، فابتداء الحول من يوم ملك ذلك النَّقْد، ويبنى حول التجارة على حوله، ووجهوا ذلك بشيئين:

أحدهما: أن قَدْرَ الوَاجِبِ فيهما وَاحِدٌ، وكذلك متعلقه، فإن الزكاة واجبة في عَيْنِ النَّقْد، وفي قيمة السِّلْعة، وهي من جنس النقد الذي كان رأس المال، بل هي نفس تلك الدَّرَاهم، إلا أنها صارت مُبْهَمة بعد ما كانت مُعَيَّنة، فصار كما لو ملك مائتي درهم ستة أشهر، ثم أقرضها مَلِيئًا تلزمه الزَّكَاة بعد سِتَّةِ أشْهُر من يوم القَرْض.

والثاني: أن النَّقْدَ أصْلٌ، وعَرَضُ التِّجَارَةِ تَبَعٌ لَهُ، وفرع عليه، ألا ترى أن التقويم به يقع فبنى حَوْلَهُ عليه.

وخرجوا على التوجهين ما إذا بَادَلَ الدَّرَاهِمَ بالدَّرَاهِم، حيث ينقطع الحَوْلُ ولا يَبْنِي، أما على الأول فلأن زكاة النَّقْدِ في الْعَيْنِ، ولكل واحد من عين الدراهم الأولى، وعين الثانية حكم نفسها، وأما على الثاني، فلأن الثانية لا تقوم بالأولى، وليست إحداهما أَصْلاً، والأخرى فَرْعاً لَهَا، وهذا فيما إذا كان الشِّرَاء بعين النِّصَاب، أما إذا اشترى بِنِصَابٍ من أحد النَّقْدَين في الذمة، وله مَائِتا دِرْهَم وعشرون ديناراً فَنَقْدُهَا في ثمنه ينقطع حول النَّقْد، ويبتدئ حول التِّجَارة من يوم الشراء، هذا لفظ صاحب "التهذيب" وعلَّلَ بأن هذه الدراهم والدنانير لم تتعين للتصرف فيه، -والله أعلم-.

وإن كان النقد الذي هو رأس المال دون النِّصَاب، فليس له حول حتى يبنى عليه، فيكون ابتداء الحول من يوم مَلَكَ عَرَضَ التِّجَارة هذا إذا ملك بأحد النَّقْدَين، ولو ملك بغيرهما فله حالتان:

إحداهما: أن يكون ذلك الغير مما، لا تَجِب الزَّكَاة فيه، كالثياب والعبيد، فابتداء الحول من يوم المِلْكِ، لأن ما ملكه قبله لم يكن مالَ زَكَاةِ.

والثانية: أن يكون مما تَجِب فيه الزَّكَاة، كما لو ملكهِ بِنِصَابٍ مِنَ السَّائِمَة، فظاهر المَذْهَبِ أن حول السَّائِمَة ينقطع وَيبْتَدِىَء حَوْلَ التِّجَارَةَ مِنْ يَوْمِ الْمِلْكِ، ولا يبنى؛ لاختلافَ الزَّكاة قَدْراً ومتعلَّقاً.

وقال الإصْطَخْري: يبنى حوله على حول السَّائِمَة، كما لو ملكه بِنِصَابِ مِنَ


(١) سواء كان النقد غالباً أم لا سواء أبطله السلطان أم لا لأنه أصل ما بيده، فكان أولى من غيره وفي قول قديم: أن التقويم لا يكون إلا بنقد البلد، حكاه صاحب التقريب ينظر مغني المحتاج (١/ ٣٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>