النَّقْدِ، واحتج بقوله في "المختصر": ولو اشترى عَرَضاً لِلتِّجَارة بدراهم، أو بدنانير، أو بشيء تجب فيه الصَّدقة من المَاشِيَة، وكان أفاد ما اشترى به ذلك العرض من يومه، لم يقوم العرض، حتى يحول الحول من يوم افاد الثمن، وحمل المُزَنِيُّ هذا النَّص على ما رآه الاصطخري، ثم اعترض عليه، وصار إلى عَدَمِ البناء.
وعامة الأصْحَابِ نفوا ذهاب الشافعي -رضي الله عنه- إلى البناء فتكلموا على هذا النَّصِّ من وجوه:
أحدها: قال ابن سريج وأبو إسحاق وغيرهما: إن مسألة "المختصر" مفروضة فيما إذا استفاد ثمن العرض يوم الشراء، وحينَئِذٍ لا فرق بين أن يقال: يعتبر الحَوْل من يوم الشِّراء، وبين أن يقال؛ يعتبر من يوم ملك الثَّمَن.
والثَّاني: أن الشَّافِعِي -رضي الله عنه- جمع بين ثلاث صور: الشِّراء بالدراهم، والشِّراء بالدَّنانير، والشراء بالماشية، ثم أجاب في الصّورتين الأوليين دون الآخرة، وقد يقع مثل ذلك في كلامه، واحتجوا لهذا بأنه قال:(من يوم إفاد الثمن) ولفظ يقع على النقدين دون الماشية. واعلم أن في حقيقة الثمن خلافاً سنذكره في "كِتَاب الْبَيْعِ" -إن شاء الله تعالى- جدُّه، وهذا الوجه يتفرع على أن الثمن هو الذَّهَب وَالْفِضّة لا غير، ومن قال بالتَّأوِيلِ الأول أطلق لفظ الثمن على الماشية أيضاً.
والثالث: تغليط المزني في النقل، وإلى هَذَا مال إمام الْحَرَمَيْن، ورأى التَّأْوِيلَ تَكَلُّفاً. ولنتكلم في ما يتعلق بلفظ الكتاب خاصة.
وقوله:(من وقت الشراء بنية التجارة) ليس لتخصيص الحكم بالشراء؛ بل هو مذكورٌ تمثيلاً وسائر الاكْتِسَابات المُلْحَقَة في معناه، ويجوز إعلامه بالواو؛ لأن اللَّفْظَ مُطْلَقٌ لا يفرق بين أن يكون قيمة ما اشتراه للتِّجَارَةِ نِصَابًا، أو لا يكون، وهو مُجْرَى على إِطْلاَقه إذا فَرَّعْنا على أن النِّصَاب لا يعتبر إلا في آخر الحول، وهو الصَّحيح، فأما إذا اعتبرناه في جميع الحول، أو في طرفيه، ولم يبلغ قيمة المشترى نِصَاباً، فليس ابتداء الحول من يوم الشِّرَاء؛ بل هو وقت بلوغ قيمته نصاباً.
وقوله:(ماشية كانت) معلم بالواو؛ لما حكيناه عن الإصْطَخْرِي وقوله:(وإن كان المشتري به نقداً فمن وقت النقد) أي: من وقت ملك النَّقْدِ، ثم قوله:(نصاباً كان، أو لم يكن) إن قلنا إن النصاب لا يعتبر في ابتداء الحَوْل، هو موضع نظر وتأمل؛ لأنه إما أن يريد به نِصَاباً كان المال المشترى أو لم يكن إن يريد به نصاباً كان النّقد، أو لم يكن، وهو الأسبق إلى الفهم، فإن أراد الثاني فقد صَرَّحَ باحتساب الحَوْلِ من وقت مِلْكِ النَّقْدِ مع نقصانه عن النِّصَاب، وإن أراد به الأول فقد حكم بالاحتساب من وقت ملك النقد مُطْلَقاً، وليس كذلك، بل يشترط فيه كون ذلك النقد نصاباً، نصَّ عليه الشافعي -