للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو صام عن تَطَوُّع ففي رواية يقع تطوعاً، وفي رواية يَنْصرف إلى الفرض. وحكى الشيخ أبو محمد تردداً عن أصحابه في المريض الذي له الفِطْر إذا تَحَمَّل المَشَقَّة، وصام عَنْ غَيْرِ رَمَضَانَ، وأعلمت المَسْألة بالواو؛ لأن الإمام حكى خلافاً فِيمَنْ أصبحَ فِي يَوْم رَمَضَانَ غَيْرَ نَاوٍ وَنَوى التَّطوع قَبْلَ الزَّوَالِ فمذهب الجماهير أنه لا يَصِح تطوعه بالصَّوْمِ، وعن أبي إسْحَاق أنه يصح، قال: فعلى قياسه يجوز للمسافر التَّطَوُّع به.

قال الغزالي: الثَّالِثُ الكَفَّارَةُ وَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مَنْ أَفْسَدَ صَوْمَ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ بِجِمَاعٍ تَامٍّ أَثِمَ بِهِ لِأَجْلِ الصَّوْمِ (ح) فَلاَ يَجِبُ عَلَى النَّاسِي إِذَا جَامَعَ، لِأَنَّهُ لَمْ يُفْطِرْ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلاَ عَلَى مَنْ جَامَعَ فِي غيْرِ رَمَضَانِ.

قال الرافعي: الأَصْلُ في كَفَّارَةِ الصَّوْم مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-: "أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: هَلَكْتَ وَأَهْلَكْتُ، قَالَ: مَا شَأْنُكَ؟ قَالَ: وَاقَعْتُ امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ، قَالَ: تَسْتَطِيعُ أَنْ تُعْتِقَ رَقَبَةً، قَالَ: لاَ؛ قَالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ. قَالَ: لاَ قَالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِيناً. قَالَ: لاَ، قَالَ: اجْلِسْ فَجَلَسَ، فَأُتِيَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ -وَالْعَرَقُ: المِكْتَلُ الضَّخْمُ- فَقَالَ: خُذْ هذَا فَتَصَدَّقُ بهِ قَالَ: أَعْلَى أَفْقَر مِنَّا؟ فَضَحِكَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- حَتَّى بَدَت نَوَاجِذُهُ، وَقَالَ: أَطْعِمْهُ عِيَالَكَ" (١).

والكلام في مُوجِبِ الكَفَّارَةِ، ثُمَّ فِي كَيْفِيَّتهَا.

أَما الأَوَّلُ فقد قَالَ: (وَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى مَن أَفْسَدَ صوم يوم من رَمَضَانَ بِجِمَاعٍ تَامٍّ أَثِمَ بِهِ، لِأَجْلِ الصَّوْمِ) وفي الضابط قيود. مِنْهَا: الإفْسَاد، فمن جامع نَاسِياً لاَ يَفسُدُ صَوْمُهُ، عَلَى الصَّحِيحَ، كما قَدَّمْنَاه، فَلاَ كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وإن قُلْنا: يفسد صَوْمُه وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وأحمد، فَهَل تُلْزَمُه الكَفَّارَةُ؟ فيه وجهان:

أحدهما -وبه قال أَحْمَدُ-: لانتسابه إلى التَّقْصِير.

وأظهرهما -وبه قال مالك-: لا؛ لأنها تتبع الإثم.

وإذا عَرفت ذلك وَسَمْتَ قَوْلَ (فلا تجب) بالألف، وقوله: (لم يفطر) به وبالميم، وقوله: (على الصحيح) أي: من الطريقين:


(١) أخرجه البخاري (١٩٣٦، ٢٦٠٠، ٥٣٦٨، ٦٠٨٧، ٦١٦٤، ٦٧٠٩، ٦٧١٠، ٦٧١١، ٦٨٢١) ومسلم (١١١١) من حديث أبي هريرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>