ووجهه صَاحِبا "التهذيب" و"التتمة" بإلحاق الكَفَّارة بثمن ماء الاغتسال، كأنهما قَدَّرَاه متَفقاً عليه، لكن الحَنَّاطِيَّ حَكَى طريقاً آخر قَاطِعاً بأن ثمن مَاءِ الاغْتِسَال عَلَيْهَا، لا عليه، وأشار إلى تَرْجِيحِهِ، ثم الأَصَح من هَذَيْنِ القَوْلَيْنِ عند صاحب الكِتَاب هو الأولُ، وبه قال الحَنَّاطِيّ وآخرون، وذكر الامَامُ أن ظاهر المَذْهَبِ هو الثَّاني، وقد يحتج له بقوله في "المختصر": "والكفارة عليه واحدة عنه"، لكن من قال بالأول حمله على أنها تجزئ عن الفعلين جميعاً، ولا يلزمها كفارة خَاصَّة خلاف ما قاله أبو حَنِيفة، ويتفرع على هَذين القَوْلَين صِوَر:
إحداها: إذا أفطرت بالزِّنا، أو بالوطء بالشُّبْهَة. فإن قلنا: الوجوب لا يلاقيها، فلا شَيْءَ عَلَيْهَا. وإن قلنا بالثاني؛ فعليها الكَفَّارة؛ لأن رابطة التَّحَمُّل الزَّوجِيَّة، ونقل عن "الحَاوِي" أن القَاضِي أَبا حَامِدٍ قَالَ: تجب الكَفَّارَةُ عَلَيْهَا بِكُلِّ حَالِ. الثَّانية: لو كان الزَّوْجُ مَجْنوناً وقلنا بالأول فلا شيء عليها وإن قلنا بالثاني: فوجهان:
أظْهَرهما: وهو المذكور في الكتاب أنه يَلزَمُهَا الكَفَّارَةُ؛ لأن التَّحَمّل لاَ يَلِيقُ بِحَالِهِ، وَلهَذَا لَمْ تَجِبْ عليه الكفارة لِنَفْسِهِ.
والثَّاني: أنه يلزمه الكَفَّارة لَهَا: لأن مَالَه يَصْلُح لِلتَّحَمُّل، وإنْ كَانَ مُرَاهِقاً، فهو كَالْمَجْنُونِ؛ لأن المذهب أن فِعْلَه لا يُوجب الكَفَّارة، وخرج بَعْضُ الأَصْحَاب من قولنا: إن عمد الصبي عمد أنه يلزمه الكَفَّارة، فعلى هَذَا هُوَ كَالْبَالِغ، ولو كَانَ الزَّوْجُ نَاسِياً أو نائماً فاسْتَدخَلَت ذَكَرَه، فالحكم كما ذَكَرنا في المَجْنُون.
الثالثة: لو كان الزَّوْجُ مسافِراً، والمرأة حَاضِرة، وأفطر بالجِمَاع على قَصْد التَّرَخُّصِ، فَلاَ كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وإن لم يقصد التَّرَخُّص فوجهان في لزوم الكَفَّارة.
أصحهما: أنَّهَا لاَ تَلْزَم؛ لأن الإفْطَار مُبَاحٌ له، فيصير شبهه في دَرءِ الكَفَّارَةِ، وهذا حُكُمُ المَرِيضِ، الَّذِي يُبَاحُ لَهُ الفِطْرِ إِذَا أَصْبَحَ صَائِماً، ثُمَّ جَامَعَ، وَالصَّحِيح إذَا مرض في أَثْنَاء النَّهَار، ثُمَّ جامع فحَيْثُ قُلْنَا بِوُجُوب الكَفَّارَةِ، فهو كَغَيْرِه، وحكم التَّحمُّلِ كَمَا سَبَقَ، وَحَيْثُ قُلْنَا: لاَ كَفَّارَةَ فَهُوَ كَالْمَجْنُونِ، وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا العراقيون فيما إذا قَدِم المُسَافِر مفطراً، فأخبرته بأنَّها مفطرة وكانت صَائِمَةٌ أن الكَفَّارة عليها، إذا قلنا: إن الوُجوبَ يُلاَقِيها، لأنها غَرَّته وهو مَعْذُورٌ، ويشبه أن يكون هَذا جواباً على قولنا: إن المَجْنُونَ لاَ يَتَحَمَّل، وإلا فَلَيْسَ العُذْرِ هاهنا أوضح من العُذْرِ في المَجنُون، -والله أعلم-.
الرابعة: إذا فرعنا على القول الثاني وهو أن الوجوب يُلاَقيها، وجب اعتبار حَالِهِمَا، ولا يخلو إما أن يُتَّفِق حَالُ الزَّوْجِ والمرأة أو يختلف.