-صلى الله عليه وسلم- كَانَ مُفْرِداً عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ"، وحكى الإمام -رحمه الله- عن ابْنِ سُرَيْج أنه كان متمتعاً ونقل عن بعض التصانيف شيئاً آخر في الفصْلِ واستبعده وهو أن الإفراد مُقَدَّمٌ على القرَان والتمتع جَزْماً، والقولان في التمتع والقران أيّهما أفضل؟ واعلم أن تقديم الإفراد على التمتع والقران مَشْرُوط بأن يعتمر في تلك السنة.
أما لو أخر فكل واحد من التمتع والقران أَفْضَل منه؛ لأن تأخير العمرة عن سنة الحج مكروه.
وقوله في الكتاب:(وهو أن يأتي بالحجِّ مفرداً من ميقاته وبالعمرة مفردة من ميقاتها)، أراد من ميقاتها في حَقِّ الحَاضِرِ بمكة، ولا يلزمه العَوْدُ إلى ميقاتِ بلدِهِ، وفيما علق عن الشَّيْخ أَبِي مُحَمَّدٍ أن أبا حَنِيفَةَ -رحمه الله- يأمره بالعود ويوجب دَمَ الإِسَاءَةِ إن لم يَعُدْ، -والله أعلم-.
ثم الإفراد لا ينحصر في الصورة بل يلتحق بها من صور تختلف شروط التمتع صوراً سينتهي إليها.
قال الرافعي: الصورة الأصْلِيَّة للقران أن يحرم بالحَجِّ والعمرة معاً، فتندرج العمرةُ تحت الحَجِّ، ويتحد الميقاتُ والفِعْل، ويجوز أن يعلم قوله:(والفعل) بالحاء؛ لأن عند أبي حنيفة -رحمه الله- يأتي بطوافيين وسعيين أحدهما لِلْحَجِّ والآخر للعُمْرَة.
لنا: ما روي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لعائشة -رضي الله عنها-: "وَطَوَافُكِ بِالْبَيْتِ وَسَعْيُكِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، يَكْفِيكِ لِحَجَّتِكِ وَعُمْرَتِكِ" (١) وأيضاً فقد سلم الاكتفاء بإحرام وَاحِدٍ، وحلقِ وَاحِدٍ، فنقيس السَّعي والطَّواف عليهما، ثم في الفَصْلِ مسألتان:
إحداهما: لو أحرم بالعُمْرَة أولاً ثم أدخل عليها الحَجِّ نظر إن أدخله عليها في غير أشهر الحج، لفي ولم يتغير إحرامه بالعمرة، وإن أَدْخَلَه عليها في أَشْهُر الحَجِّ نظر إن أحرم بالعمرة في غير أشْهُر الحَجِّ، فهذه الصورة قد ذكرها في الكتاب في أول البَابِ الثَّاني، وستجدها عند الوُصُولِ إليها مشروحة -إن شاء الله تَعَالى-.