"وإن أحرم بالعُمْرَة في أُشْهُر الحَجِّ، وأدخل عليها الحَجَّ في أشهره، وهو المقصود في هذا المَوْضِع، فينظر إن لم يشرع في الطَّوَاف جَازَ وصار قَارناً؛ لأَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَحْرَمَتْ بالْعُمْرَةِ لِمَّا خَرَجَتْ مَعَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَحَاضَتْ وَلَمْ يُمْكِنْهَا أَنْ تَطُوفَ لِلْعُمْرَةِ، وَخَافَتْ فَوَاتَ الْحجِّ لَوْ أَخّضرَتهُ إِلَى أَنْ تَطْهُرَ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- وَهِيَ تَبْكِي، فَقَالَ: مَا لَكِ أَنُفِسَتِ؟ قَالَتْ: بَلَى، قَالَ: ذَلِكَ شَيْءٌ كَتَبَهُ اللهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، أُهِلِّي بِالْحجِّ وَاصْنَعِي مَا يَصْنَعُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَلاَّ تَطُوفِي بالُبَيْتِ وَطَوَافُكِ يَكْفَيكِ لِحَجَّكِ وَعُمْرَتِكِ"(١) فأمرها -صلى الله عليه وسلم- بإدخال الحَجِّ على العمرة؛ لتصير قارنةٌ حتى لا يفوتها الحَجُّ، فإذا طهرت طَافَتْ للنسكَيْنِ معاً وإن شرع في الطَّواف أو أتمه لم يجز إدْخَالُ الحَجِّ عليها ولم لا يجوز؟ ذكروا في تعليله أربعة معان:
أحدها: أنه اشتغل بعمَلٍ من أعْمَالِ العُمْرَة، واتصل الإحرام بمقصوده، فيقع ذلك العملُ عن العمرةِ، ولا ينصرف بعده إلى القُرَان.
والثاني: أنه أتى بفَرْضٍ من فُروضِ العُمْرَة، فإن الفرائض هِيَ المعينة، وما عداها لاَ يَضُرُّ انْصرافِها إلَى القران.
والثالث: أنه أتى بمعظم أفعال العُمْرة، فإن الطَّواف هو المعظم في العُمْرةَ، فإذا وقع عن العمرة لم ينصرف إلى غَيْرِهَا.
والرابع: أنه آخذ في التحلل في العُمْرَةِ، وحينئذ لاَ يَلِيقُ به إدخالُ إحرامٍ عليه؛ لأنه يقتضي قوة الإحرام وكماله، والمتحلل جَارٍ في نقصان الإحْرَام، وشبه الشيخ أبُو عَلِيٍّ ذلك بما لو ارتدت الرَّجْعِيَّةُ فراجَعَهَا الزَّوج في الرِّدَّة، فإن الشَّافعي -رضي الله عنه - نُصَّ على أنه لا يجوز؛ لأن الرجعة استباحة فلا تصح، والمرأة جارية إلى تَحْرِيمٍ، وهذا المعنى الرابع هو الذي أورده أَبُو بَكْرٍ الفَارِسِيّ في "العيون" وحيث جوّزنا إدخالَ الحَجِّ على العُمْرَة، فذلك إذا كانت الْعُمَرةُ صحيحةً، فإن أفسدها ثم أدخل عليها الحَجِّ ففيه خلافٌ سَنُورِدُهُ من بعد إن شاء الله تعالى.
المسألة الثانية: لو أحرم بالحَجِّ في وقته أولاً ثم أدخل عليه العمرة ففي جوازه قولان:
القديم: وبه قال أبوحنيفة: أنه يجوز، كما يجوز إدخال الحَجِّ على العمرة، والجامع أنهما نسكان يجوز الجَمْعُ بينهما.
والجديد: وبه قال أحمد -رحمه الله-: أنه لا يجوز؛ لأن الحَجِّ أقوى وآكِدٌ من