العُمْرَة، لاختصاصه بالوقُوف والرَّمْي والمَبِيت، والضعيف لا يَدْخُلُ عَلَى القَويِّ وإن كان القويُّ يدخل على الضَّعِيف، ألا ترى أن فرَاش ملك النكاح لما كان أقوى من فراش مَلْك اليمين لاختصاصه بإفادة قوة حقوق نحو الطَّلاق، والظِّهار، والإِيلاَءِ، والمِيرَاث، لم يجز إدخال فراش ملك اليمين على فراش مِلْك النِّكَاحِ، حتى لو اشترى أختَ منكوحته لم يجز له وَطْؤُها، ويجوز إدخال فراش النكاحُ على فراش مِلْكِ اليمين، حتى لو نكح أختُ أمَتِهِ، أو أخت أُمِّ وَلَدِهِ حَلَّ له وطؤها، وأيضاً فإنه إذا أدخل الحَجِّ على العمرة زاد بإدخاله أشياءَ لم تكن عَلَيْهِ، وإذا أدخل العُمْرَة على الحَجِّ، لم يزد شيئاً على ما عليه، فلو جوزناه لأسقطنا العُمْرَة عنه بالدَّمِ وحده، وذلك مما لا وجه له، وإلى هذا المعنى أشار في الكتاب بقوله:(لأنه لم يتغير الإحرامُ به بعد انعقاده) فإن لم نجوز إدخال العمرة على الحَجِّ فذاك، وإن جوزناه فإلى متى تجوز؟ فيه وجوه مفرعة على المعاني الأربعة في المسألة السابقة:
أحدها: أنه يجوز قَبْلَ طوافِ القُدُومِ، ولا يجوز بعد اشتغاله به؛ لإتيانه بَعَمَلٍ من أعمالِ الحَجِّ، وذكر في "التهذيب" أن هذا أصَح.
والثاني: ويحكى عن الخضري: أنه يجوز بعد طَوَافِ القُدومِ مَا لَمْ يَسْع، وما لم يَأْتِ بفرضٍ من فُروضِ الحَجِّ، فإن اشتغل بشيء منها فَلاَ.
والثالث: يجوز، وإن اشتغل بِفَرْضٍ ما لم يقف بعرفة، فإذا وَقَفَ فَلاَ، لأنه مُعْظَمُ أعمالِ الحَجِّ، وعلى هذا لو كان قد سَعَى فعليه إعادة السَّعي ليقع عن التسكين جميعاً، كذا قاله الشَّيْخُ في معظم الفروع.
والرابع: يجوز وإن وقف ما لم يشتغل بِشَيْءٍ من أسباب التحلل من الرَّمْي وَغَيْرِه، فإن اشتغل فَلاَ، وعلى هذا لو كان قد سعى ما ذَكَرَهُ الشَّيْخُ وجوبُ إِعَادَتِهِ، وحكى الإمام فيه وجهين، وقال: المذهب أنه لا يجب، ويجب على القارن دَمٌ؛ لما روي عن عائشة -رضي الله عنها- قالت:"أَهْدَى رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ أَزْوَاجِهِ بَقَرَةً وَنَحْنُ قَارِنَاتٌ"(١) ولأن: الدم واجب على المتمتع بِنَصِّ القُران، وأفعال المتمتع أكثر من أفعال القَارِن، فإذا وجب عليه الدم فلأن يجب على القارن كَانَ أولى، وصفةٌ دَم القَرَانِ كَصِفَةِ دَمِ التَّمَتُّعِ، وكذا بدله، وعن مالكٍ أن على القارن بدنة، وحكى الحنَّاطِيُّ عن القديم مثله.
لنا أن المتمتع أكثر ترفيهاً، لاستمتاعه بمحظورات الإحْرَام بين النسكين، فإذا اكتفى منه بشاة فلأن يكتفي بها من القارن كان أولى، -والله أعلم-.
(١) قال الحافظ في التلخيص (١/ ٢٣٣): لم أجده هكذا، وفي الصحيحين أنه أهدى عن نسائه بقرة.