للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الغزالي: الثَّالِثُ: التَّمَتّعُ وَهُوَ أَنْ يُفْرِدَ العُمْرَةَ ثمَّ الْحَجَّ وَلَكِن يَتَّحِدُ المِيقَاتُ إِذَا تَحَرَّمَ بالحَجِّ مِنْ جَوْفِ مَكَّةَ، وَلَهُ سِتَّةُ شُرُوطٍ: الأَوَّلُ أَنْ لاَ يَكُونَ مِنْ حَاضِرِي المَسْجِدِ الحَرَامِ فإِنْ الحَاضِرَ مِيقَاتُهُ نَفْسُ مَكَّة فلاَ يَكُونُ قَدْ رَبِحَ مِيقَاتًا، وَكُلُّ مَنْ مَسْكنُهُ دُونَ مَسَافَةِ القَصْرِ حَوَالَيْ مَكَّةَ فَهُوَ مِنَ الحَاضِرِينَ، وَالآفَّاقِيُّ إِذَا جَاوَزَ المِيقَاتِ غَيْرَ مُرِيدٍ نُسكْاً فكمَا دَخَلَ مَكَّة اعْتَمَر ثُمَّ حَجَّ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتعاً إِذْ صَارَ مِنَ الحَاضِرِينَ، إذْ لَيْسَ يُشْتَرَطُ فِيهِ قَصْدُ الإِقَامَة، الثَّاني أَنْ يُحْرِمَ بالعُمْرَةِ في أَشْهُرِ الحَجِّ فَلَوْ تَقَدَّمَ تَحَلَّلَهَا لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعاً إِذْ لَمْ يَزْحَم الحَجِّ بالعُمْرَةِ في مظَنَتِهِ، وَلَو تَقَدَّمَ إِحْرَامُهَا دُونَ التَّحَلُّلِ فَفِيهِ خِلاَفٌ، فإذَا لَمْ يَكُن مُتَمَتِّعاً فَفِي لُزُومِ دَمِ الإسَاءَة لِأَجْلِ أَنَّهُ أَحْرَمَ بالحَجِّ مِنْ مَكَّة لاَ مِن المِيقَاتِ وَجْهَانِ، الثَّالِثُ: أَنْ يَقَعَ الحَجُّ وَالعُمْرَةُ في سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، الرَّابعُ: أَنْ لاَ يَعُودَ إلَى مِيقَاتِ الحَجِّ فَلَوْ عَادَ إِلَيْهِ أَوْ إلَى مِثْلِ مَسَافَتِهِ كَانَ مُفْرِدًا، وَلَوْ عَادَ إلَى مِيقَاتٍ كَانَ أَقْرَبَ مِنْ ذَلِكَ المِيقَاتِ فَوَجْهَانِ، الخامِسُ: أَنْ يَقَعَ النُّسُكَانِ عَنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ، فَلَوِ اعْتَمَرَ عَنْ نَفسِهِ ثُمَّ حَجَّ عَنِ المُسْتَأْجِرِ فَلاَ يُمْنَعُ عَلَى أَحَدِ الوَجْهِيْنِ، السَّادِسُ: نِيَّةُ التَّمَتُّع عَلَى أَحَدِ الوَجْهَيْنِ تَشْبِيهًا لَهُ بالجَمْعِ بَيْنَ الصَّلاَتيْنِ، والأَصَحُّ: أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ كمَّا في القِرَانِ.

قال الرافعي: التمتع هو أن يحرم بالعمرة من ميقاتِ بَلَدِهِ، وَيدْخُلُ مكة ويأتي بأعمالِ العُمْرَة، ثم ينشئ الحَجَّ من مكة، وسمي تمتعاً لاستمتاعه بمحضورات الإحرام بينهما، أو تمكنه من الاستمتاع لحصول التحلل.

وعند أبي حنيفة -رحمه الله- إن كان قد سَاقَ الهَدْيَ لم يتحلل بفراغه من العُمْرةَ، بل يحرم بالحج فإذا فرغ منه حَلَّ منهما جميعاً، وإن لم يَسُق الهَدْى تحلل عند فراغِهِ من العُمْرةَ.

لنا أنه متمتع ما أكمل أفعال عمرته فأشبه، ما إذا لَمْ يُسُقِ الهَدْيَ.

وقوله: (أن يفرد العمرة ثم الحج) فيه إشارة إلى أن أفعالهما لا تتداخل، بل يأتي بهما على الكَمَالِ، بخلاف ما في القَرَان. وقوله: (لكن يتحد الميقات إذ يحرم بالحج من جوف مَكَّة)، معناه: إنه يالتمتع من العُمْرَة إلى الحج يربح ميقاتاً، لأنه لَوْ أحرم من ميقات بَلَدِهِ لكان يحتاج بعد فراغه من الحَجِّ إلى أن يخرج من أدنى الحلِّ، فيحرم بالعُمْرَة منه، وإذا تمتع استغنى عن الخُروج؛ لأنه يُحْرِمُ بالحجِّ من جَوْفِ مَكَّةَ، فكان رابحاً أحد الميقاتين.

ويجب على المتمتع دَمٌ، قال الله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}.

<<  <  ج: ص:  >  >>