للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنما تجب بشروط:

أحدها: ألا يكون من حَاضِرِي المَسْجِدِ الحَرَام قال الله تعالى: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} (١) والمعنى فيه: أن الحاضر بمكة ميقاته لِلْحَجِّ نفس مكة، فلا يكون بصورة التمتع رابحاً ميقاتاً، وكل من مسكنه دون مسافة القصر فهو من حَاضِرِي المَسْجِدِ الحَرَام، فإن زادت المسافة فَلاَ، وبه قال أحمد، وعند أبي حنيفة -رحمه الله- حاضرو المَسْجِدَ أَهْلُ المَوَاقِيتِ والحَرَمِ وما بينهما.

وقال مالك: هم أهْلُ مَكَّة وذي طُوَى، وربما روي عنه أنهم أهل الحَرَمِ.

لنا أن من قرب من الشَّيْءِ ودنا منه كان حاضراً إيَّاه، يقال: حضر فلانٌ فلاناً إذا دنا منه، ومن كان مسكنه دون مسافة القصر فهو قريب نازل منزلة المقيم في نفس مَكَّة، ولهذا لا يجوز للخارج إليه الترخص بالفِطْرِ والقَصْرِ ونحوهما، على أن في مذهب أبي حنيفة بُعْداً فإنه يؤدي إلى إخْرَاج القَرِيب من الحَاضِرِين، وإدخال البعيد فيهم؛ لتفاوت مسَافَاتِ المَوَاقِيت، ثم المسافة التي ذكَرْناها مَرْعِيَّةٌ مِنْ نَفْسِ مَكَّة أو من الحرم؟ حكى إبْرَاهِيمُ المرووزي فيه وجهين: والثاني هو الدائر في عبارات أصحابنا العراقيين، ويَدُلُّ عليه أن المَسْجِدَ الحرام عبارة عن جَمِيع الحَرَمِ؛ لقوله تعالى: {فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} (٢) ولو كان له مسَكنان:

أحدهما: في حد القُرْب من الحرم والآخر في حَدِّ البُعْدِ، فإن كان مقامه بالبعيد أكثر فهو آفاقي، وإن كان بالقرَيب أكثر فهو من الحَاضِرِين، وإن استوى مقامه بهما نظر إلى ماله وأهله فإن اختص بأحدهما أو كان في أحدهما أكثر فالحكم له، وإن استويا في ذلك أيضاً اعتبر حاله بِعَزْمِهِ، فأيهما عزم على الرُّجُوعِ إليه فَهُوَ من أهْلِهِ، فإن لم يكن لَهُ عَزْمٌ فالاعتبار بالذي خرج منه.

ولو استوطن غريب بمكة فهو من الحاضرين، ولو استوطن مَكِيُّ بالعِرَاقِ فليس له حُكْمُ الحَاضِرِين، والاعتبار بما آل إليه الأمْرُ.

ولو قصد الغريب مكة ودخلها متمتعاً ناوياً الإقامة بها بعد الفراغ من النسكين، أو مِنَ العُمْرَةِ أو نوى الإقامة بها بعد ما اعتمر لم يكن من الحَاضِرِين، وَلم يسقط عنه دَمُ التمتعَ فَإِنَّ الإقامة لا تحصل بمجرد النِّية، وذكر حجة الإسلام -رحمه الله- في هذا الشَّرْطِ صورة هي من مواضع التوقف، ولم أجدها لِغَيْرِهِ بَعْدَ البَحْثِ، وهي أنه قال: (والآفاقي إذا جاوز الميقات غير مريد نسكاً فلما دخل مكة اعتمر ثم حج لم يكن متمتعاً إذ صار من الحَاضِرين، إذ ليس يشترط فيه قَصْدُ الإقامة) وهذه الصورة متعلقة أولاً


(١) سورة البقرة، الآية ١٩٦.
(٢) سورة التوبة، الآية ٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>