للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالخلاف في أن من قَصَدَ مكةَ هل يلزمه الإِحْرَام بِحَجٍّ أو عمرة أم لا؟ ثم ما ذكره من عدم اشتراط الإقامة مما تنازع فيه كلام عامة الأصحاب ونقلهم عن نَصِّه في "الإملاء" والقديم، فإنه ظَاهِرٌ في اعتبار الإقامة بل في اعتبار الاستيطان، -والله أعلم-. وفي "النهاية" و"الوسيط" حكاية وجهين: في سورة تُدَانِي هذه وهي أنه: لو جاوز الغَرِيبُ الميقاتَ وهو لا يريدُ نسكًا ولا دخولَ الحَرَمِ، ثم بَدَا له قريباَ من مَكَّة أن يَعْتَمِرَ فاعتمر منه وحَجَّ بعدها على سورة التمتع هل يلزمه الدَّم.

أحد الوجهين: أنه لا يلزمه؛ لأنه لم يلتزم الإحْرَامَ وهو على مسافة بعيدة، وحين خطر له ذلك كان على مَسَافة الحَاضِرِين.

وأصحهما: يلزم؛ لأنه وجد صورة التمتع وهو غير معدود من الحَاضِرِين، فذكر في "الوسيط" في توجيه هذا الوجه أن اسم الحاضرين لا يتناوله إلا إذا كان في نفس مكة أو كان متوطناً حَوْلَهَا، فلم يعتبر التوطن فيمن هو بمكة واعتبره فيمن هو حَوَاليها، والنفس لا تنقاد لِهَذا الفَرْق، ثم كما لا يَجِب الدَّمُ على المَكِّي إذا أتى بصورة التمتع لا يجب عليه إذا قَرَن وبأن الأصل دَم التمتع المنصوص عليه في الكتاب، فإذا لم يجب ذلك على المَكِّي لم يجب دم القَرَان، وروى الحَنَّاطِيُّ وجهاً أن عليه دَمُ القَرَانِ، ويشبه أن يكون هذا الاختلاف مبنياً على وجهين نقلهما صاحب "العدة" في أن دَمُ القَرَانِ دَمُ جَبْرٍ أَوْ دَمُ نُسُكٍ، والمشهور أنه دَمُ جَبْرٍ، وهل يجب على المَكِّي إذا قَرَن إِنْشَاءُ الإحْرَامِ من أدنى الحِل كما لو أفرد العمرة أم يجوز أن يحرم من جوف مَكَّة إدراجاً للعمرةَ تحت الحج؟ فيه وجهان:

أصحهما الثاني: ويجريان في الافاقي إذا كان بمكة وأراد القرآن.

الشرط الثاني: أن يحرم بالعمرة في أَشْهُرِ الحَجِّ فلو أحرم وَفَرَعَ مِنْ أَعْمَالِهَا قَبْلَ أَشْهُرِ الحَجِّ ثم حج لم يلزمه الدم؛ لأنه يجمع بين الحَجِّ والعمرة في وَقْتِ الحَجِّ، فأشبه المفرد لمَّا لَمْ يجمع بينهما لم يلزمه دم، وقد ذَكَرَ الأئمة أن دَمَ التَّمَتُّعِ مَنُوطٌ مِنْ جهة المعنى بأمرين:

أحدهما: ربح ميقات كَمَا سَبَقَ.

والثاني: وقوع العُمْرةَ في أَشْهُرِ الحَجِّ، وكانوا لا يزحمون الحَجِّ بالعُمْرَةِ في مظنته ووقت إمكانه، ويستنكرون ذلك، فورد التمتع رخصةٍ وتخفيفاً، إذ الغريب قد يرد قبل عَرَفَةَ بأيام ويشق عليه استدامة الإحرام لو أحرم من الميقات، ولا سبيل إلى مجاوزته، فجوز له أن يعتمر ويتحلل.

ولو أحرم بها قبل أشْهُرِ الحَجِّ، وأتى بجميع أفْعَالِهَا في أشْهُرِهِ، ففيه قولان:

<<  <  ج: ص:  >  >>