أحدهما: يلزمُه الدَّمُ، قال في القديم "والإملاء": لأنه حصلت المُزَاحمة في الأفعال وهي المقصودة والإحرام كالتمهيد لها.
وأصحهما: لا يلزمه قاله في "الأم" وبه قاله أحمد -رحمه الله- بأنه لم يجمع بين النسكين في أَشْهُرِ الحَجِّ؛ لتقدم أحَدِ أركانِ العُمْرَةِ عَلَيْهَا، وعن. ابنِ سُرَيْجٍ -رحمه الله- أن النصين محمولان على حالين، وليست المسألة على قولين، إن أقام بالميقات بعد إحرامه بالعمرة حتى دخل أشهر الحج أو عاد إليه مُحْرِماً بها في الأشهر لَزِمَهُ الدَّمُ، وإن جاوزه قَبْلَ الأشهر ولم يعد إليه لم يلزمه، والفرق حصوله بالميقاتِ محرماً في الأَشْهُرِ مع التمكن من الإحْرَام بالحَجِّ، وإن سبق الأحرامُ مَع بعضِ الأعمال أشهر الحج فالخلاف فيه مُرَتَّبٌ، إن لم نوجب الدم إذا سَبَقَ الإحرامُ وحده فهاهنا أولى.
أوجبناه فوجهان، والظاهر: أنه لا يَجِب أيضاً.
وعن مالك -رحمه الله- أنه مهما حَصَل التحلل في أشهر الحَجِّ وجب الدم، وعند أبي حنيفة إذا أتى بأكثر أَفْعَالِ العُمْرَة في الأَشْهُرِ كان متمتعاً، وإذا لم نوجب دم التمتع في هذه الصورة، ففي وجوب دم الإسَاءة وجهان:
أحدهما: يجب، وبه قال الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ -رحمه الله- لأنه أحرم بالحج من مَكَّة دون الميقات.
وأصحهما: لا يجب؛ لأن المسيء من ينتهي إلى الميقات على قَصْد النُّسك، ويجاوزه غير محرم، وهاهنا قد أحرم بنسك وحافظ على حرمة البقعة. وقوله في الكتاب:(ولو تقدم إِحْرَامُهَا دون التحلل) يمكن تنزيله على تقدم مجرد الإحرام.
وقوله:(دون التحلل) أي: دون الأعمال إذ التحلل بها يحصل، ويمكن تنزيله على ما تشترك فيه هذه الصّورة وصورة تقدُّمِ بَعْضِ الأعمال، وعلى التقديرين فتفسير الخلاف الذي أبهمه بين ما ذكرنا والإمام -رحمه الله- أورد بدل القولين وجهين، وهو خلاف رواية الجمهور.
ويجوز إعلام لفظ (الخلاف) بالواو لما مَرَّ عن ابْنِ سُرَيْجٍ.
الثالث: أن يقع الحَجُّ والعمرةُ في سَنَةٍ واحدة، فلو اعتمر ثم حج في السنة القابلة فلا دم عليه، سواء أقام بمكة إلى أن حَجَّ؛ أو رجع وعاد؛ لأن الدم إِنَّمَا يَجِب إِذَا زاحم بالعُمْرَةِ حُجَّتَهُ في وَقْتِها، وترك الإحرام بحجته من الميقات مع حصوله بها في وقت الإمكان ولم يوجد وقد روي عن سَعِيدِ بنِ المُسَيّبِ قال:"كَانَ أصْحَابُ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَعْتَمِرُونَ فِي أَشْهُرِ الْحَجّ فَإذَا لَمْ يَحُجُّوا فِي عَامِهِمْ ذَلكَ لَمْ يُهْدُوا"(١).