أوله:(وله ستة شروط) ومنهم من لا يعتبرها في نفس التمتع وهذا أشهر، ولذلك رسموا صِحَّةَ التمتع من المَكِّي مسألة خلافية، فقالوا: يَصِحَّ عِنْدَنَا التمتع والقران من المَكِّي، وبه قال مالك -رحمه الله-.
وعند أبي حنيفة -رحمه الله- لا يَصِح منه قران ولا تمتع، وإذا أحرم بهما ارتفضت عمرته، وإن أحرم بالحَجِّ بعدما أتى بِشَوْطٍ من الطواف للعمرة ارتفض حَجّه في قول أبي حنيفة، وعمرته في قول أبي يوسف ومحمد -رحمهما الله-، وإن أحرم به بعدما أتى بأكثر الطواف مضى فيهما وأراق دماً.
قال الرافعي: إذا اعتمر ولم يرد العود إلى الميقات فعليه أن يحرم من مَكَّة "أمَرَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أَصْحَابَهُ رَضِي اللهُ عَنْهُمْ أن يُحْرَمُوا مِنْ مَكَّةَ، وَكَانُوا مُتَمَتِعينِ"(١) وهي في حَقه كهي في حق المَكي، والكلام في الموضع الذي هو أولى لإحرامه، وفيما إذا خالف وأحرم خَارجَ مكة، إما في حد الحرم أو بعد مجاوزته إذ لم يعد إلى الميقات ولا إلى مساقته على ما ذكرنا في المكي، وإذا اقتضى الحال وجوب دم الإساءة لزم مضموماً إلى دَمَ التَّمتع. واعترض صَاحِبُ الشَّامِلِ عليه فقال: دم التَّمَتُّعِ لا يجب إلا لِتَرْكِ المِيقَاتِ، فكيف يجب لذلك دم آخر.
أجابوا عنه: بأنا لا نسلم أنه يَجِبْ لهَذَا القدر بل يجب لربح أَحَدِ المِيقَاتَيْنِ، وزحمة الحَجِّ بالعمرة على مَا مَرَّ، ويدل على تغاير سببهما تغايرهما في كيفية البَدَلِ، وبتقدير أن لا يجب دم التمتع إلا لتَرْكِ الميقات فإنما يَجِب ذلك لتركه الإحرام من ميقات بلده، وهذا الدم إنما يجب لتركه الإحرام مما صار مِيقاتاً له ثانياً وهو مكة.
وقوله في الكتاب:(فلو جاوزها في الإحرام لزمه دم الإساءة) مطلق لكن المراد منه ما إذا لم يعد إلى المِيقَات، ولا إلى مسافته على ما تبين من قبل، ووجوب دم التمتع والحالة هذه يبين أن الشرط في التمتع أن لا يعود إلى الميقات لإِحْرَام الحَجِّ، لا أن يحرم من مكة ومن قال الشرط أن يحرم من مَكَّة فهو غالط في العبارة.
(١) قال الحافظ في التلخيص (١/ ٢٣٤): لم أجده هكذا، وفي الصحيحين عن جابر في حديث في أوله: حججنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- الحديث- وفيه: وأقيموا حلالاً حتى إذا كان يوم التروية فأهلوا بالحج ...