للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى الجَدِبدِ، وَإذَا تَأَخَّرَ عَنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ صَارَ فَائِتًا وَلَزِمَ القَضَاء (ح)، وَأَمَّا السَّبْعَةُ فَأوَّلُ وَقْتِهَا بِالرُّجُوعِ إلَى الوَطَنِ، وَهَلْ يَجُوزُ فِي الطَّرِيقِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَقِيلَ: المُرَادُ بِهِ الرُّجُوعُ إلَى مَكَّةَ، وَقِيلَ: الْفَرَاغُ عن الحج.

قال الرافعي: قوله: (وأما المعسر): ربما يوهم أن الصَّوْمَ إنما يعدل إليه المتمتع إذا لم يملك الهدي ولا ما يشتريه به، وليس كذلك، بل له العدول إلى الصَّوْم وإن قدر على الهَدْي في بلده إذا عجز عنه في موضعه، لأن في بدله وهو الصوم تأقيتاً بكونه في الحَجِّ، فلا نظر إلى غير موضعه بخلاف الكفارات فإنه يعتبر فيها العَدَم المطلق إذ لا تأقيت فيها. إذا عرفت ذلك فإن المتمتع العَادِمَ للهدي يلزمه صَوْمُ عَشْرَةِ أيامٍ بِنَصِّ القُرْآنِ، ويجعلها قسمين: ثلاثةً وسبعاً.

أما الثَّلاثة فيصومها في الحَجِّ، ولا يجوز تقديمها على الإحْرَام بالحَجِّ؛ خلافاً لأبي حنيفة، حيث قال: يجوز بعد الإحْرَامِ بالعُمْرَةِ، ولأحمد حيث قال: في رواية بقول أبِي حَنيفَة، وقال في رواية: يجوز بَعْدَ التَّحَلُّلِ من العمرة.

لنا أن الصَّوْمَ عِبَادَةٌ بدنية فلا تقدم عَلَى وَقْتِهَا كالصَّلاَةِ وَسَائِرِ العِبَادَاتِ الوَاجِبَةِ، ولا يجوز أن يَصُومَ شَيْئاً مِنْهَا في يَوْمِ النَّحْرِ، وفي جواز إيقاعها في أيَّامِ التشريق قولان قدمنا ذكرهما في كِتَابِ الصَّوْمِ، والمَستحب أن يَصُومَ الأيام الثَلاثة قَبْلَ يَوْم عَرَفَة، فإن الأحَبَّ لِلْحَاجِّ يوم عرفة أن يكون مفطراً على ما مَرَّ، وإنما يمكنه ذلك إذا تَقَدَّمَ إِحْرَامُه بِالْحَجِّ، بحيث يقع بين إحرامه ويوم عرفة ثلاثة أيام، قال الأصحاب -رحمهم الله- وهذا هو المستحب للمتمتع الذي هو من أهْلِ الصَّوْمِ يحرم قبل اليوم السادس من ذِي الحَجَّةِ، ليصوم الثَّلاثة ويفطر يَوْمَ عَرَفَةَ، ونقل الحَنَّاطِيُّ عن شَرْحِ أَبِي إسْحَاق وَجْهاً أنه إذَا لَمْ يؤمل هَدْياً يجب عليه تقديم الإحْرَامِ، بحيث يمكنه صَوْمُ الَأيام الثَّلاثَةَ قَبْلِ النَّحْرِ، وأما الوَاجِدُ للهَدْيِ فالمستحب له أن يَصُومَ يوم التَّرْوِيَةِ بعد الزوال متوجهاً إلى مِنًى؛ لما روي عن جابر -رضي الله عنه-: "أنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: إِذَا تَوَجَّهْتُمْ إِلَى مِنًى فَأَهِلُّوا بِالْحَجِّ" (١).

فإذا فاته صَوْمُ الأيام الثَّلاثة فِي الحَجِّ لزمه القضاءُ خلافاً لأبي حنيفة حيث قال: "يسقط الصوم ويستقر الهدي عليه" وعن ابن سُرَيْج وأبي إسحاق -رحمهما الله- تخريج قول مثله، والمذهب الأول؛ لأنه صَوْمٌ واجبٌ فلَا يسقط لفوات وَقْتِهِ كَصَوْمِ رَمَضان، وإذا قضاها لم يلزمه دَمٌ خِلافًا لأحمد -رحمه الله-.


(١) انظر التلخيص (٢/ ٣٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>