للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما السبعة فهي مقيدة بالرجوع، قال الله تعالى: {وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} (١) وما المراد من الرُّجُوعِ؟ فيه قولان:

أصحهما: وهو نصه في "المختصر" وحرملة؛ أن المراد منه الرجوع إلى الأَهْلِ والوَطَنِ؛ لما روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال للمتمتعين: "مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَليُهْدِ وَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيُصُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ" (٢).

وعن ابْنِ عباس -رضي الله عنه- أن النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "ثَلاثَةٌ فِي أيَّامِ الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَى أَمْصَارِكُمْ" (٣).

والثاني: أن المراد منه الفَرَاغ، وبهذا قال أبو حنيفة وأحمد -رحمهما الله-؛ لأن قوله: "وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعْتُمْ" مسبوق بقوله: "ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحَجِّ" فينصرف إليه، وكأنه بالفراغ رَجَعَ عمَّا كَانَ مُقْبلاً عَلَيْهِ مِنَ الأَعْمَالِ. فإن قلنا بالأول فلو تَوَطَّنَ مَكَّة بعد فَرَاغِهِ مِنَ الحَجِّ صَامَ بِهَا، وإنَ لم يتوطنها لَمْ يَجُزْ صَومُه بِهَا، وهل يجوز في الطَّرِيق إذا توجه وطنه روى الصَّيْدَلانِيُّ وغَيْرُهُ فيه وجهين:

أحدهما: نعم؛ لأن ابْتِدَاء السَّيْرِ أول الرّجوع.

وأصحهما: لا؛ لأنه تَقْدِيم العِبَادة البَدَنِيَّةِ عَلَى وَقْتِهَا، وبهذا قَطَعَ أَصْحَابُنَا العِرَاقِيُّونَ تفريعاً على القول الأصح، وجعلوا الوَجْهَ الأول قولاً برأسه حملاً للرجوع في الآية على الانصراف من مكَّة، والوجه ما فعلوه، فإنا إذا جَوَّزنَا الصومَ في الطريق فقد تركنا التوقيت بالعَوْدِ إِلَى الوَطَنِ، وإذا فرعنا على أن المراد الفراغ من الحَجِّ والانصراف من مكّة فلو آخره حتى يرجع إلى وَطَنِهِ جَازَ، وهل هو أَفْضَلُ أم التقديم أفضل مبادرة إلى العبادة؟ حكى العِرَاقِيونَ فيه قولين:

أصحهما: وبه قال مالك: أن التأخير أفضل تحرزاً عَنِ الخِلاَف، وسواء قلنا: إن الرجوعَ هو الرجوعُ إلى الوطن، أو الفراغ من الحَجِّ، فلو أراد أن يوقع بعض الأيام السَّبْعَة في أيام التشريق لمْ يَجُز، وإن حكمنا بأنها قَابلَةٌ لِلصَّوْمِ، أما على القول الأول فَظَاهِرٌ، وأما عَلَى الثاني فلأنه يُعَدُّ فِي أَشْغَالِ الحَجِّ وَأن حَصَل التحلل، ونقل بعضُهم عن الشَّافعي -رضي الله عنه-: أن المرادَ من الرّجوع هو الرَّجوع من مِنَى إلى مكَّة، والإمام وصاحب الكتاب عدا هذا قولاً وراء قَولِ الرجوع إلى الوَطَنِ، وقول الفراغ من الحَجِّ، لكن قضية كلام كثير من الأئمة أنه وقول الفَرَاغِ مِنَ الحَجِّ شَيْءٌ وَاحِدٌ، وأن


(١) سورة البقرة، الآية ١٩٦.
(٢) أخرجه البخاري (١٦٩١) ومسلم (١٢٢٧).
(٣) أخرجه البخاري معلقاً بصيغة الجزم (١٥٧٢) وانظر التلخيص (٢/ ٢٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>