للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تبرأ ذمته؟ قضية ما ذكره الشَّيْخُ أَبو عَلِي أنها لا تبرأ؛ لأن شغل الذمة بالدم معلوم، فلا بد من تعيين البَرَاءة.

قال الإمام -رحمه الله- ويحتمل أن تبرأ؛ لأن الأصْلَ براءة الذمة، والشغل غير معلوم، وأطلق المصنف -رحمه الله- في "الوسيط" وجهين، تعبيراً عن هذين الكلامين، ويجزِئه الصَّوْمُ مع وجدان الطَّعَامِ؛ لأن الطَّعَام لا مدخل له في دَم التَّمتع، وفدية الحلق على التخيير قال الله تعالى: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} (١)، ولو أطعم هل تبرأ ذمته أم لا؟ لاحتمال أن اللازم دم التمتع؟ فيه كلام للشيخ والإمام -رحمهما الله- وهذا كله فيما إذا استجمع الرجل شرائط لزوم الدمِ للتمتع، فإن لم يكن مستجمعاً كما لو كان مَكيًّا لم يلزم الدّم؛ لأن شرط التمتع مفقود، ولزوم دَم الحَالِق مشكوكٌ فيه، وإذا جوز أن يكون إحرامه أولاً بالقَرَان فهل يلزمه دم آخر مع الدَّم الذي وصفناه؟ فيه الوجهان السَّابقان.

الثالثة: أن يعرض الشَّكُّ بعد الطواف والوقوف فإن أتى ببقية أعمال الحَجِّ لم يجزئه حَجُّهُ ولا عمرته.

أما الحَجِّ فالجواز أنه كان محرماً بالعمرة فلا ينفع فيه الوقوف.

وأما العمرة: فلجواز أنه كان محرماً بالحَجِّ، ولم يدخل عليه العمرة، فإن نَوَى القَرَان وأتى بأعمال القَارِن، فإجزاء العُمْرَة يبنى على أن العمرةَ هل تدخل على الحِجِّ بعد الوقوف؟ وقياس المَذْكُورِ في الحالة السَّابقَةِ وإن لم يتعرضوا له هَاهُنَا أنه لو أتم أعْمَالَ العمرةِ وأحرم بالحَجِّ وأتى بأعماله مع الَوقوف أجزأه الحَجُّ وعليه دم كما سَبَقَ، ولو أتم أعمال الحج، ثم أحرم بعمرة وأتى بأعمالها أجزأته العمرة، -والله أعلم-.

وفي المولدات وشروحها فرعان شبيهان بالمسألة نُرْدِفُها بِهما:

أحدهما: لو تمتع بالعُمْرَة إلى الحَجِّ، وطَافَ للحج طواف الإفاضة ثم بان له أنه كان محدثاً في طواف العُمْرَة لم يصح طوافة ذلك ولا سعيه بعده؛ لأن شرط صِحَّة السعي تقدُّمُ طوافٍ عليه، وبان أن حلقه كان في غير الوقت، ويصير بإحرامه بالحج مدخلاً للحج على العمرة قبل الطَّواف فيصير قارناً، ويجزئه طوافه وسعيه في الحَجِّ عن الحج والعمرة جميعاً، وعليه دمان، دم للقران، ودم لِلْحَلْقِ في غير وقته، وإن بان أنه كان محدثاً في طواف الحج تطهر وأعاد الطواف والسعي، وليس عليه إلا دَمُ التمتع إذا اجتمعت شروطه، وإن شك فلم يدر أنه في أي طوافيه كان محدثاً فعليه أن يعيد الطواف


(١) سورة البقرة، الآية ١٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>