للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّلْبيَة من وَاجِبَاتِ الإحْرَام لاَ مِنْ سننه، ثم تكثير التلبية في دوام الإحْرَام مستحبٌ قائماً كانَ أو قاعداً، راكبًا كان أو ماشياً، حتى في حالة الجنابة والحَيْضِ، وأنه ذِكْرٌ لا إِعْجَازَ فِيهِ فأشبه التسبيح، وقد قال -صلى الله عليه وسلم- لعائشة -رضي الله عنها- حين حاضت: "افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أنْ لاَ تَطُوفِي بِالْبَيْتِ" (١).

وتجديدُها أفضلُ في كل صُعودٍ وهُبُوطٍ، وحدُوثِ حادثٍ من ركوب أو نزول، أو انضمام رفاق، أو فراغ من صلاة، وعند إقْبَالِ اللَّيْلِ والنَّهَارِ، ووقت السَّحَرِ.

روى عن جابر -رضي الله عنه-: "أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يُلَبِّي فِي حِجَّتِهِ إِذَا لَقِيَ رَكْباً أَوْ عَلَى أكَمَةٌ، أَوْ هَبَطَ وَادِياً، وَفِي أَدْبَارِ الْمَكْتُوبَةِ، وَمِنْ آخِرِ اللَّيْلِ" (٢).

ويستحب الإتيان بها في مَسجَد مكة، وهو المَسْجُد الحَرَامُ، ومَسْجِدُ الخِيِفِ بِمِنًى، ومسجد إبراهيم عليه السلام بعَرَفَةَ، فإنها مَوَاضِعُ النسك، وفي سائر المَسَاجِدِ قولان: القديم: أنه لا يلبي فيها حذراً من التشويش على المتعبدين والمُصَلِّين، بخلاف المساجد الثَّلاثة، فإن التلبية معهودة فيها، ويروى هذا عن مالك -رحمه الله-.

والجديد: أنه يلبي فيها كَسَائِرِ المَسَاجِدِ، ويدل عليه إطلاق الأخبار الواردة في التَّلْبِيَة، فإنها لا تفرق بين مَوْضِعٍ ومَوْضِعٍ، وهذا الخلاف على ما أورده الأكثرون في أصْلَ التلبية، فإن استحببناه استحببنا رَفْعَ الصوت، وإلا فلا، وهو قضية نَظْمِ الكِتَاب.

وجعل إمام الحَرَمَيْن الخلافَ في أنه هل يستحبُ فيها أن يرفع الصوت بالتلبية؟ ثم قال: إن لم نؤثر رفع الصوت بالتلبية في سَائِرِ المَسَاجِدِ، ففي الرفع في المَسَاجِدِ الثلاثة وجهان، وهل تستحب التَّلبِيَة في طَوَافِ القُدومِ والسَّعْيِ بعده؟ فيه قولان:

الجديد: أنه لا يستحب؛ لأن فيها أدْعِيَةً وأذكاراً خاصة فصار كطواف الإفَاضَةِ والوداع، وقد روى عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال: "لاَ يُلَبِّي الطَّائِفُ".

والقديم: أنه يستحب ولكن لا يَجْهَر بها، بخلاف طَوَافِ الإفاضة فإن هناك شرع في أسباب التَّحَلُّلِ، فانقطعت التلبيه، وهذا التوجيه يعرفك أن قوله في الكتاب: (وفي حالة الطواف قولان) محمول على طواف القُدُومِ، وإن كان اللفظ مُطْلقاً، وفي غيره من أنراع الطَّوَاف لا يُلَبِّي بِلاَ خِلافِ.

ويستحب رَفْعُ الصوت بالتَّلبِيَةِ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَمَرَني أَنْ آمُرَ أَصْحَابِي أَنْ


(١) تقدم، وزاد مالك: ولا بين الصفا والمروة حتى تطهرين.
(٢) أخرجه عبد الله بن ناجية في فوائده بإسناد غريب لا يثبت مثله، انظر: خلاصة البدر (١/ ٣٥٩) والتلخيص (٢/ ٢٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>