للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّاذْرَوَانُ، وقد روى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لعائشة -رضي الله عنها-: "لَوْلاَ حِدْثَانُ قَوْمِكِ بِالشَّرْكِ لَهَدَمْتُ الْبَيْتَ، وَلَبَنَيْتُهُ عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ، فَألْصَقْتُهُ بِالأَرْضِ، وَجعْلْتُ لَهُ بَابَيْنِ شَرْقِياً (١) وَغَرْبياً" ثم إن ابْنَ الزبير -رضي الله عنهما- هدمه أيام وِلاَيَتهِ، وبناه على قَوَاعِدِ إبراهيم عليه السلام، كما تمناه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم لما اسْتَولى عليه الحَجَّاجُ هدمه وأعاده على الصُّورة التي هو عليها اليوم، وهي بناء قريش، والركن الأسود والباب في صَوْبِ الشَّرْقِ، والأسود هو أحد الرُّكْنَيْنِ اليمانيين، والباب بينه وبين أحد الشَّاميين، وهو الذي يسمى عِرَاقيّاً أيضاً، والباب إلى الأسود أقرب منه إليه، ويليه الركن الآخر الشَّامي، والحَجْر بينهما، وسنصفه من بعد، والمِيزَابُ بينهما، ويلي هذا الركن اليماني الآخر الذي هو عن يمين الأسود.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن مما يعتبر في الطواف شيئان قد يعبر عنهما معاً بالترتيب، وقد يعبر به عن أحَدِهما.

والأول قضية لفظ الكتاب.

أحدهما: أن يجعل البيت عَلَى يَسَارِه.

والثاني: أن يبتدئ بالحَجَرِ الأسود، فيحاذيه بجميع بدنه في مروره، وإنما اعتبرا؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كذلك طَافَ وقال: "خُذُوا عَني مَنَاسِكَكُمْ" (٢).

فلو جعل البَيْتَ على يمينه كما إذا ابتدأ من الحجر الأسود ومَرّ على وجهه نحو الركن اليمانى، لم يعتد بِطَوَافِهِ، وقال أبو حنيفة -رحمه الله- يُعيدُ الطَّوَافَ ما دام بمَكَّةَ فإن فَارَقَهَا أجْزَأَهُ دَمُ شَاةٍ، ولو لم يجعله على يمينه ولكن استقبله بوجهه وطاف معترضاً، فعن القَفَّال فيه وجهان:

أحدهما: الجواز، لحصول الطَّوَافِ في يَسَارِ البَيْت.

والثاني: المنع؛ لأنه لم يُولِّ الكعبة شِقَّة الأَيْسَر، والخلاف جَارِ فيما لَوْ ولاَّهَا شِقَّة الأيمن، ومَرَّ القَهْقَريّ نحو الباب، والقياس: جريانه فيما لو استدبرها ومر مُعْتَرضاً، وما الأظهر من هذا الخلاف الذي أورده صاحب التهذيب وغيره؟ في الصورة الثانية أنه يجوز ويكره، وقال الإمام: والأصح: المنع كما أن المصلي لما أمر بأن يولي الكعبة صَدْرَه ووجهه لم يجزه أن يوليها شقه وهذا أوفق لعبارة الأكثرين، فإنهم قالوا: يجب أن يجعل البيت عَلَى يَسَارِه، ولم يوجد ذلك في هذه الصورة، وقالوا: لو جعله


(١) أخرجه البخاري (١٢٦، ١٥٨٣، ١٥٨٤، ١٥٨٥، ١٥٨٦، ٣٣٦٨، ٤٤٨٤،٧٢٤٣) وأخرجه مسلم (١٣٣٣).
(٢) أخرجه مسلم من حديث جابر (١٢١٨، ١٢٩٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>