للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الغزالي: وَيُضْمَنُ هَذَا الصَّيْدُ بالمُبَاشَرَةِ وَالسَّبَبِ وَاليَدِ، وَالسَّبَبُ كَنَصْب شَبَكَةٍ أَوْ إِرْسَالِ كَلْبٍ أَوْ انْحِلاَلِ رِبَاطِهِ بنوع تَقْصِيرِ في رَبْطِهِ أَوْ تَنْفِيرِ صَيْدِ حَتَّى يَتَعَثَّرَ قَبْلَ سُكُونِ نِفَارِه، وَكُلُّ ذَلِكَ يُوجِبُ الضَّمَانَ إِذَا أَفْضَى إِلَى التَّلَفِ، وَلَوْ حَفَرَ المُحْرِمُ بِئْراً فِي مِلْكِهِ لَمْ يَضْمَن ما يَتَرَدَّى فِيهِ، وَلَوْ حَفَرَ في الحَرَمِ فَوَجْهَانِ، وَلَوْ أَرْسَلَ كَلْبًا حَيْثُ لاَ صَيْدَ فَعَرَضَ صَيْدٌ فَفِي الضَّمَانِ وَجْهَانِ.

قال الرافعي: قد عرفت أن الصيد المحرم أي: صَيْدٍ هُوَ، والغرض الآن بيان الجِهَات التي يضمن بها ذَلِك الصَّيد، وهي ثلاثة:

الأولى: مباشرة الإتْلاف (١)، وهي ثلاثة:

والثانية: التسبب إليه، وموضع تفسيره وضبطه كتاب الجنايات، وتكلم هَاهُنَا في صور:

إحداها: لو نصب شَبَكَةَ في الحَرَم أو نصب المُحْرِمُ شَبَكَةَ، فتعقل بِهَا صَيْدٌ وَهَلَكَ، فَعليْهِ الضَّمَانُ، سواء نَصَبَها فِي مِلْكِ نَفْسِهِ، أو ملك غيره، لأن نصب الشبكة يقصد بها الاصْطِيَادُ، فهو بمثابة الأَخذِ باليَدِ (٢).

الثانية: لو أرسل كلباً فأتلف صَيْداً، وجب عليه الضَّمَانْ (٣) لأن إرسَالَ الكَلْبِ يسبب إِلَى الهَلاَكِ ولو كان الكلب مربوطاً فحل رباطه فَكَذَلِك، لأن السبع شَدِيدُ الضَّرَاوَةِ بالصَّيْدِ، فيكفي في قَصْدِ الصَّيْدِ حَلُّ الرِّبَاطِ، وإن كان الإصطياد لا يتم إلا بالإغْرَاء. ولو انحل الرباط لتقصيره في الرَّبْطِ نزل ذلك منزلة الحَلّ، وحَكى الإمام -رحمه الله- في هذه الصورة تردد الأئمة، فليكن قوله: (أو انحلال رباطه) معلماً بالوَاوِ لذلك، وحيث أوجبنا الضَّمانَ في هذه المسائل، فذلك إذا كان ثمَّ صيدٌ، فإن لم يكن فأرسل الكلب أو حل رباطه فظهر صيْدُ فوجهان:


(١) ولا فرق فيها بين أن يكون المباشر مخطئاً أو متعمداً عالماً أو جاهلاً ذاكراً أو ناسياً.
(٢) قال النووي: ولو نصب الشبكة أو الأحبولة وهو حلال، ثم أحرم فوقع بها صيد لم يلزمه شيء ذكره القفال، وصاحب "البحر" وغيرهما. وهو معنى نص الشافعي -رحمه الله تعالى- ينظر الروضة (٢/ ٤٢٢ - ٤٢٣).
(٣) أطلق الشيخ وفصل القاضي أبو الطيب والماوردي والحسين والروياني والجرجاني في المعاياة بين المعلم فيضمن وبين غيره فلا يضمن، لأن غير المعلم لا ينسب إلى فعل المرسل، بل إلى اختيار الكلب، ولهذا لا يؤكل ما اصطاده، وعزاه القاضي الحسين لنص الشافعي في "الإملاء"، وحكاه في "شرح المهذب" عن الماوردي وحده. قال: وفيه نظر، وينبغي أن يضمن بإرساله، لأنه سبب وهو كما قال مشكل. وقضية إطلاق غيرهم التسوية بين المعلم وغيره. قاله الزركشي.

<<  <  ج: ص:  >  >>