للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد يكون لغيره فلا بد من قصد صارف، وإن لم يجد الهدي إما لإعساره أو غير ذلك، فهل يتوقف التَّحلل على وجدانه؟ فيه قولان:

أحدهما: نعم، وبه قال أبو حنيفة؛ لأن الهدي أقيم مقام الأعمال، ولو قدر على الأعمال لم يتحلل إلا بها، فإذا عجز لا يتحلل إلا ببدلها.

وأصحهما: لا، بل له التَّحلل في الحال؛ لأن التحلل إنما أبيح تخفيفاً ورفقاً حتى لا يتضرر بالمقام على الإحرام، ولو أمرناه بالصبر إلى أن يجد الهدي لتضرر، وعلى التقديرين فلا بد من نية التحلل، وهل يجب الحَلْق؟ بناه الأئمة على الأصل الَّذي سبق، وهو أَنّ الحَلْق نُسُك أم لا؟ إن قلنا: نسك، فنعم.

وإن قلنا: استباحة محظور فلا، فيخرج من هذا.

أما إذا اعتبرنا الذَّبْح والحَلْق مع النِيَّة والتحلل، يحصل بثلاثتها، وإنْ أخرجنا الذَّبْح عن الاعتبار فالتَّحلُّل يحصل بالحَلْق مع النِيَّة أو بمجرد النية فيه وجهان، وهذا ما أراده المصنف بقوله:

وإذا قلنا: لا يتوقف فيتحلل بالحَلْق أو بنية فالتحلل أي؟ فيه وجهان:

وإن قلنا: إنَّ دَمَ الإِحْصَار له بدل، فإن كان يَطعم فتوقف التحلل عليه كتوقفه على الذبح، وإن كان يصوم فكذلك مع ترتب الخلاف، ومنع التوقف هاهنا أولى؛ لأن الصوم يفتقر إلى زمان طويل فتكون المَشَقَّة في الصَّبر على الإحرام أعظم.

المسألة الثانية: لا يشترط بعث دم الإحصار إلى الحرم بل يذبحه حيث أحصر ويتحلل، وبه قال أحمد:

وقال أبو حنيفة -رحمه الله-: يجب أن يبعث به إلى مكَّة ويوكل إنساناً ليذبحه يوم النَّحْر إن كان حاجّاً وأي يوم شاء إنْ كان مُعْتَمِراً ثم يتحلل.

لنا: "أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- أُحْصِرَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَذَبَحَ بِهَا، وَهِيَ مِنَ الْحَلِّ" (١).

ولأنه موضع التَّحلل فكان موضعاً لذبح الهدي. كالحرم، وكما يذبح دم الإحصار حيث أحصر فكذلك ما لزمه من دماء المَحْظُورات قبل الإِحْصَار، وما حمله معه من هدي، ويفرق لحومها على مساكين ذلك الموضع، وهذَا كله إذا كان مصدوداً عن الحرم، فأما إذا كان مصدوداً عن البيت دون أطراف الحرم، فهل له أن يذبح في الحلّ؟ ذكروا فيه وجهين:


(١) تقدم قريباً.

<<  <  ج: ص:  >  >>