للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثلاثة أيام: يوم عرفة، ويوم النحر، واليوم الأول من أيام التشريق، فعنده اليوم الأول داخل في المَعْدُودَات والمَعْلُومَات معاً، وعند مالك -رحمه الله- الأول والثاني من أيام التشريق داخلان فيها. لنا: التَّفْسير عن ابن عَبَّاس -رضي الله عنهما- والأخذ به أولى؛ لأن الأشبه تغير المسمَّيَات عند تغاير الأسماء.

وأما المَعْدُودَات: فهي أيام التشريق بلا خلاف.

وقوله في الكتاب: (وفيها المناسك) أراد به أصول المناسك، فإن تَوَابِعَها قد يتأَخَّر بعضها إلى أيام التَّشْريق، وقوله: (وفيها الهدايا والضحايا)، لك أن تبحث فيه، فتقول: هذا يقتضي تخصيص الهدايا بهذه الأيام، وقد ذكر من قبل أن دماء الجُبْرَانَات والمَحْظُورات، لا تختص بزمان، واسم الهدي يقع عليها كما يقع على ما يسوقه المحرم، فإن أراد هاهنا ما يسوقه المحرم فهل يختص ذبحه بهذه الأيام على ما هو قضية اللفظ أم لا؟ فاعلم أن المراد في هذا الموضع بالهدايا ما يسوقها المحرم، وفي اختصاصها بيوم النحر وأيام التشريق وجهان:

أحدهما: وهو الذي أورده في "التهذيب": أنها لا تختص كدماء المحظورات.

وأظهرهما هو الذي أورده صاحب الكتاب والعراقيون: أنها تختص كالأضحية، فعلى هذا لو أخر الذَّبْح حتى مضت هذه الأيام، نظر إنْ كان هدياً واجباً ذبح قضاء، وإن كان تطوعاً فقد فات، وإن ذبح فقد قال الشَّافعي -رضي الله عنه-: هي شاة لحم، ولا يخفى أن لفظ الكتاب يحتاج إلى تأويل، فإن الذي جرى ذكره أيام التَّشْرِيق لا غير، والذَّبح لا يخْتَصّ بها، بل يوم النَّحْر في معناها لا محالة -والله أعلم-.

واعلم أن في "المختصر" باباً في آخر كتاب الحَجِّ ترجمه بنذر الهدي، وعلى ذلك جرى الأصحاب فذكروا هاهنا فروعاً ومسائل كثيرة، لكن صاحب الكتاب أخر إيراده منها إلى كتابي الأُضْحِيَة والنَّذْر اقتداء بالإمام -رحمه الله- ونحن نشرح ما ذكره ونضم إليه ما يحسن إيراده -إن شاء الله تعالى-، لكن نذكر نبذاً لا بد من معرفتها فنقول: من قصد مَكَّة لحج أو عمرة، فيستحب له أن يهدي إليها شيئاً من النّعم "أَهْدَى رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مِائَةَ بَدَنَةً (١) ولا يلزم ذلك إلاَّ بالنَّذْر، وإذا ساق هدياً تطوعاً، أو نذراً نظر، إن ساق بدنة أو بقرة فيستحب أن يقلدها نعلين، وليكن لهما قيمة ليتصدق بها، وأن يُشْعِرها أيضاً، والإِشْعَار الإعلام، والمراد هاهنا أن يضرب صفحة سَنَامِهَا اليُمْنَى بحديدة وهي مستقبلة للقبلة فيدميها ويلطخها بالدم ليعلم من رآها أَنَّها هدي، فلا يستجيز التعرض لها. وقال أبو حنيفة: لا إشعار، ومالك وأحمد استحبَّا الإِشْعَار، ولكن قالا: يشعرها من الجانب الأيسر.


(١) أخرجه البخاري (١٧١٨) من حديث علي، ومسلم (١٢١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>