للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّيْطَانَ لَيَأْتِي أَحَدَكُمْ فَيَنْفُخُ بَيْنَ إِلْيَتَيْهِ، وَيقُولُ: أَحْدَثْتَ، أَحْدَثتَ، فَلاَ يَنْصَرِفَنَّ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتاً، أَوْ يَجِدَ رِيحاً" (١) ولا فرق عندنا بين أن يَتَيقَّنَ الطهارة، ويشك في الحَدَثِ بعده، أَوْ يتيقَّن الحدث ويشك في الطهارة بعده، بل يستصحب اليقين في الحالتين، خلافاً لمالك حيث قال: إذا استيقن الطهارة، وشك في الحدث، أخذ بالحدث احتياطاً، وتوضأ إذا كان خارج الصلاة وإن كان في الصلاة فله أن يمضي في صلاته، وما رويناه من الخبر حجة عليه، لأنه مطلق، وحَكَى في "التتمة" وجهاً عن بعض الأصحاب يوافق مذهب مالك. ومن نظائر الشك في عروض الحدث ما إذا نام قاعداً، ثم تمايل وانتبه، ولم يدر أيهما سبق، فلا ينتقض وضوءه، بخلاف ما إذا عرض الانتباه وكان بعد التَّمَايُلِ يلزمه الوضوء. ومنها ما إذا شك في أنه لمس الشعر، أو البشرة إذا قلنا: إنه لا أثر للمس الشعر. ومنها ما إذا مس الخنثى فرجه مرتين، وشك في أن الممسوس ثانياً هو الممسوس أولاً، أو الفرج الآخر. ومنها ما لو شك في أن ما عرض له رؤيا، أو حديث نفس فلا يلزمه الوضوء في شيء منها، وكذلك القول في الشك في الحدث الأكبر، وهذا كله إذا عرف سبق الطهارة، أما إذا لم يعرف ذلك بأن تيقن أنه بعد طلوع الشمس توضأ وأحدث، ولم يَدْرِ أيهما سبق، أنه الآن على ماذا؟ ففي المسألة وجهان:

أصحهما: قال صاحب التلخيص: والأكثرون يؤمر بإسناد الوَهْمِ إلى ما قبل طلوع الشمس وتَذَكَّر ما كان عليه من الطهارة والحدث، فإن تذكر أنه كانَ محدثاً فهو الآن على الطهارة؛ لأنه تيقن الطهارة بعد ذلك الحدث، وشك في تَأَخُّرِ الحدث المعلوم بعد الطلوع عن تلك الطهارة، وإن تذكر أنه كان متطهراً فهو الآن محدث؛ لأنه تيقن حدثاً بعد تلك الطهارة، وشك في تأخر الطهارة عن ذلك الحدث، ومن الجائز سبقها على الحدث، وتوالي الطهارتين، وهذا إذا كان الشخص ممن يعتاد تجديد الطهارة، فإن لم يكن التجديد من عادته فالظاهر أن طهارته بعد الحدث، فيكون الآن متطهراً، وإن لم يتذكر ما قبلها فلا بد من الوُضُوء؟ لتعارض الاحتمالين من غير تَرْجِيح، ولا سبيل إلى الصلاة مع التردد المَحْضِ في الطهارة؛ ومنهم من قال: يؤمر بالتذكُّر، لكنه إن تذكر الحدث قبل الطلوع فهو الآن محدث أيضاً، وإن تذكر الطهارة فهو الآن متطهر، لأن ما يذكره من قبل معلوم، فيستصحب ويتعارض الظنان الطارئان بعده، لتقابل الاحتمالين، والوجه الثاني، أنه لا نظر إلى ما قبل الطلوع، ويؤمر بالوضوء بكل حال؛ أخْذاً بالاحْتِيَاطِ. ثم نتكلم في قوله: "واليقين لا يرفع بالشك" في ابتداء هذا الفصل، من ثلاثة أوجه:


(١) أخرجه البخاري (١/ ٢٣٧) ومسلم (٣٦١) من حديث عبد الله بن زيد بن عاصم -رضي الله عنه-.

<<  <  ج: ص:  >  >>