كلها (١)، ويفارق صورة الاستشهاد؛ لأن أجزاء الصبرة الواحدة لا تختلف غالباً بخلاف تلك الصورة. قال المعتبرون: والوجه الثاني أظهر في المذهب، ولكن القياس الأول؛ لأنه لو فرق صِيْعَان الصُبرة وقال: بعتك واحداً منها لم يصح، فما الفرق بين أن تكون متفرقة أو مجتمعة، وأيضاً لأنه لو قال: بعتك هذه الصبرة إلاَّ صاعاً منها لا يصح العقد، إلاَّ أن تكون الصَّيْعَان معلومة، ولا فرق بين استثناء المعلوم من المجهول واستثناء المجهول من المعلوم في كون الباقي مجهولاً، وفيما جُمِعَ من فتاوى القفال: أنه كان إذا سُئِلَ عن هذه المسألة يفتي بالوجه الثاني مع ذهابه إلى الأول، ويقول المستفتي يستفتي عن مذهب الشافعي -رضي الله عنه- لا عما عندي، ثم ذكر الأئمة للخلاف في المسألة مأخذين.
أحدهما: حكوا خلافاً في أن علّة بطلان البيع فيما إذا قال: بعت عبداً من العبيد ماذا؟ فمن قائل: علَّته الغَرَر مع سهولة الاجتناب عنه، ومن قائل: علته أنه لا بد للعقد من مورد يتأثر به كما في النِّكَاح، قالوا: والخلاف الذي نحن فيه مبني عليه، فعلى الثاني لا يصح وعلى الأول يصح، إذ لا غَرَر لتساوي أجزاء الصُّبْرَة والثاني: قال الإمام: هو مبني على الخلاف في تنزيل العقد عند العلم بالصِّيْعَان، إن قلنا: المبيع ثم مشاع في الجملة فالبيع باطل لتعذُّر الإشاعة.
وإن قلنا: المبيع صَاعٌ غير مشاع فهو صحيح هاهنا أيضاً، وهذا البناء لا يسلم عن النزاع لما ذكرنا أن الجمهور نزلوه في صورة العلم على الإشاعة مع جعلهم الأظهر هاهنا الصحة فكأنهم نزلوه على الإشاعة إن أمكن، وإلاَّ قالوا: المبيع صاع أي صاع كان لاستواء الغرض. ثم ادَّعى الإمام أن من لا يرعى الجزئية والإشاعة يحكم ببطلان البيع فيما إذا باع ذراعاً من أرض معلومة الذّرْعَان، وهذا هو الوجه الذي سبقت الإشارة إليه، ولم أر له ذكراً إلاَّ في كتابه.
المسألة الثانية: قوله: وإبهام ممرّ الأرض المبيعة كإِبْهَام نفس المبيع، صورتها أن يبيع أرضاً محفوفة بملكه من جميع الجهات، وشرط أن للمشتري حقّ الممر إليها من جانب ولم يعين، فالبيع باطل؛ لأن الأغراض تتفاوت باختلاف الجوانب، ولا يؤمن إفضاء الأمر إلى المنازعة، فجعلت الجهالة في الحقوق كالجهالة في المعقود عليه.
أما إذا عين الممرّ من جانب فيصح البيع، وكذا لو قال: بعتكها بحقوقها، وثبت
(١) وأما الاستدلال الأول بأنه لو فرقت صيعانها فباع صاعاً لم يصح، فهكذا قطع به الجمهور، وحكى صاحب "المهذب" في تعليقه من الخلاف عن شيخه القاضي أبي الطيب صحة بيعه لعدم الغرر والصحيح. المنع. ينظر الروضة (٣/ ٢٦).