قال الرافعي: ومنها: ما روي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النّبي -صلى الله عليه وسلم-: "نَهَى عَنْ بَيْعِ المُلاَمَسَةِ، وَالْمُنَاَبَذَة"(١).
وللملامسة تأويلان:
أحدهما: إنْ أتي بثوب مَطْوي أو في ظلمة فيلمسه المُسْتام، فيقول صاحب الثوب: بِعْتك هذا بكذا، بشرط أن يقوم لمسك مقام نظرك، ولا خيار لك إذا رأيته، وهو تأويل الشَّافعي -رضي الله عنه- في "المختصر"، وهذا البيع باطل.
أما إذا أبطلنا بيع الغائب فظاهر. وأما إذا صححناه فلاشْتِرَاط قيام اللَّمْس مقام النَّظر. قال الإمام: ويتطرّق إلى هذا احتمال من جهة أن من اشترى شيئاً على شرط نفي خيار الرؤية، ففي صحة الشرط خلاف فلا يمتنع أن يكون هذا على ذلك الخلاف، وبهذا الاحتمال أجاب أبو سعد المُتَوَلِّي في كتابه.
الثاني: وهو المذكور في الكتاب: أن يجعل نفس اللَّمْس بيعاً، ومثَّله الإمام بأن يقول صاحب الثوب لطالبه: إذا لمست ثوبي فهو مبيع منك بكذا، وهو باطل لما فيه من التَّعْليق والعُدُول عن الصِّيغة الشَّرْعية، وذكر في "التتمة": أن هذا في حكم المعاطاة.
والثَّالث: أن يبيعه شيئاً على أنه متى لمسه فقد وجب البيع وسقط خيار المجلس وغيره، وهو فاسد للشرط الفاسد. وأما بيع المُنَابَذَة فله تَأْويلات:
أحدها: أن يجعل النَّبذ بيعاً، فيقول أحدهما للآخر: أَنْبذ إليك ثوبي، وتنبذ إليّ ثوبك على أن كل واحد مبيع بالآخر، أو يقول: أَنْبذ إليك ثوبي بعَشْرة، وتَنْبذ إليَّ ثوبك فيكون النَّبْذ بيعاً، وهذا تأويل الشافعي -رضي الله عنه- في "المختصر"، وهو المذكور في الكتاب، ووجه بطلان العقد: اختلال الصيغة.
قال الأئمة: ويجيء فيه الخلاف المذكور في المُعَاطاة؛ فإن المنابذة مع قرينة البيع هي المُعَاطاة بعينها.
والثاني: أن يقول: بِعْتُك هذا بكذا على أني إذا نَبَذْتُه إليك فقد وجب البيع، وحكمه ما مر في الملامسة.