ومنها: أن فيه استِثْناء منفعة الاسْتِيثَاق، ولا يجوز أن يستثني البائع بعض منافع المبيع لنفسه. ومنها: قال بعض المتأخرين: المشتري لا يملك رَهْن المبيع، إلاَّ بعد صحة المبيع، فلا تتوقف عليه صحة البيع، كيلا يؤدي إلى الدور، وللنزاع مجال في هذه التوجيهات.
أما الأول: فإن كان الثمن مؤجلاً، لا يجوز حبس المبيع إذا لم يَجْرِ رهن، فإن جرى رهن فهو موضع الكلام، وإن كان حالاً فيجوز أن يتقوى أحد الجنسين بالآخر.
وأما الثاني: فبتقدير الصِّحة يبقى المال مضموناً بحكم البيع استيفاءً لما كان، ويسلم الدين أوَّلاً لإقدامه على الرهن.
وأما الثالث: ففي جواز اسْتِثْنَاء بعض المنافع تفصيل سَنَذكره -إن شاء الله تعالى.
وأما الرابع: فمسلم أنه لا يتوقف صحة البيع على الرهن لكن لا كلام فيه، وإنما الكلام في أنه هل يمنع صحة البيع؟ فهذا كلام المطلقين. وأما التفصيل: فإن الإمام ذكر أن المسألة مبنية على البَدَاءَة في التسليم بمن.
فإن قلنا: البَدَاءة بالبائع، أو قلنا: يُخَيِّران معاً، أو قلنا لا اختيار ما لم يبتدأ أحدهما فسد البيع؛ لأنه شرط يبطل مقتضى البيع لتضمنه حبس المبيع إلى اسْتِيْفَاء الثمن. وإن قلنا: البَدَاءَة بالمشتري فوجهان:
أحدهما: أنه يصحُّ هذا الشرط لموافقته مقتضى العقد.
والثاني: لا يصحُّ ويفسد البيع لما سبق من تناقض الأحكام، والأظهر عند صاحب الكتاب هو الوجه الأول، وأنت إذا تَنَبَّهت إلى الأصل المبني عليه عرفت حال هذا البناء قوة وضعفاً.
ولو شرط أن يرهنه بالثمن بعد القبض، ويرده إليه فالبيع باطل أيضاً لبعض المعاني المذكورة. ولو رهنه بالثمن من غير شرط صح إن كان بعد القبض، وإن كان قبله فلا إن كان الثمن حالاً، لأن الحبس ثابت له، وإن كان مؤجلاً فهو كما لو رهن المبيع قبل القبض بدين آخر، ثم إذا لم يَرْهَن المشتري ما شرطه، أو لم يتكفل الذي عينه فلا إِجْبَار، لكن للبائع الخيار، ولا يقوم رَهْن وكفيل آخر مقام المعين، فإن فسخ فذاك، وإن أجاز فلا خيار للمشتري. ولو عيَّن شاهدين فامتنعا من تحمل الشَّهادة.
فإن قلنا: لا بد من تعيين الشَّاهدين، فللبائع الخيار أيضاً.
وإن قلنا: لا حاجة إليه أيضاً، فلا.
ولو باع بشرط الرهن فهلك الرهن قبل القبض أو تعيَّب أو وجد به عيباً قديماً، فله الخيار في البيع، وإن تعيب قبل القبض، فلا خيار.