للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو ادَّعى الراهن أنه حدث بعد القبض، وقال المُرْتهن: بل قبله، فالقول قول الراهن اسْتِدَامة للبيع، ولو هلك الرَّهن بعد القَبْضِ أَوْ تعيَّب ثم اطَّلَع على عيب قديم به فلا أَرْش له، وهل له فسخ البيع؟ فيه وجهان:

أصحُّهما: لا؛ لأن الفسخ إنما يثبت إذا أمكنه رَدُّ الرهن كما أخذ.

وأما لفظ الكتاب فقوله: "شرط وَثِيقة الثَّمن" لفظ الثمن وإن كان مطلقاً، ولكن المراد منه [ما] إذا كان في الذِّمَّة، فإن الأعيان لا يرهن بها، وفي ضَمَانها تفصيل طويل يذكر في موضعه -إن شاء الله تعالى-، وهذا كما ذكرناه في الأجل.

وقوله: "بعد تعيين المَرْهُون" يجوز إعلامه بالميم والحاء.

أما الميم، فلأن عند مالك -رضي الله عنه- لا يشترط تعيين المرهون بل ينزل المطلق على ما يصلح أن يكون رهناً لمثل ذلك الثمن في العادة. وأما بالحاء، فلأن عند أبي حنيفة لو قال: رهنتك أحد هذين العَبْدَين جاز، كما ذكره في البيع.

وقوله: "وبالكفيل بعد تعيينه"، يجوز إعلامه بالواو، لأن في كتاب القاضي ابن كَجٍّ: أنه لا حاجة إلى تَعْيِين الكَفيل، وإذا أطلق أقام من شاء ضميناً -والله أعلم-.

قال الغزالي: وَالرَّابعُ شَرْطُ عِتْقِ العَبْدِ احتُمِلَ لِحَدِيثِ بُرَيْرَةَ، وَالقِيَاسُ إِبْطَالُ الشَّرْطِ، وَقَدْ قِيلَ بِهِ، ثُمَّ لِلبَائِعِ المُطَالَبَةُ بِالعِتْقِ علَى الأَصَحِّ، فَإِنْ أَبى المُشْتَرِي أُجْبِر عَلَيْهِ (و)، وَإِنْ شَرَطَ أَنْ يَكُونَ الوَلاَء لَهُ صَحَّ الشَّرْطُ (و) لِدَلالَةِ الخَبَرِ.

قال الرافعي: في بيع الرقيق بشرط العتق قولان:

أحدهما: أنه لا يصح كما لو باعه بشرط أن يبيعه أو يهبه، وبهذا قال أبو حنيفة. وأصحهما: أنه يصح، وعلى هذا ففي صحة الشرط قولان:

أحدهما وهو ما حكاه العراقيون عن رواية أبي ثور: أنه باطل.

لظاهر ما روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَاب اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ بَاطِلٌ" (١). وأصحهما: وبه قال مالك وأحمد في أصح الروايتين: أنه صحيح.

لما روي "أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عَنْهَا- اشْتَرَتْ بَرِيرَةَ وَشَرَطَ مَوَالِيَها أَنْ تُعْتِقَهَا، ويكَونَ وَلاَؤُهَا لَهُمْ؛ فَلَمْ يُنْكِرْ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِلاَّ شَرْطَ الْوَلَاء وَقَالَ: شَرْطُ اللهِ أَوْثَقُ، وَقَضَاءُ اللهِ أَحَقُّ، وَالْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ" (٢).


(١) أخرجه البخاري (٤٥٦، ١٤٩٣) ومسلم (١٥٠٤).
(٢) انظر التخريج السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>