واعلم: أنه خلاف ما اتَّفَق عليه جمهور الأَصْحَاب، فإنهم أَطْبَقوا على أن شرط الوَلاَء يفسد البيع، وحكوا قولاً ضعيفاً على خلافه عن رواية الِإصْطَخري أو تخريجه، ثم على ذلك القول الضعيف قضوا بفساد الشرط، وقصروا الصِّحة على العقد، ولا تكاد تجد حكاية الخلاف في صحّة الشَّرط بعد تصحيح العقد، إلاَّ للإمام -رحمه الله تعالى- وفي حديث بريرة إِشْكال أفسدنا العقد أو صححناه، وأفسدنا الشرط أو صححناه.
أما إذا أفسدنا العقد أو الشرط فلإذنه في الشراء واشتراط الولاء، وأما إذا صححناهما فلخطبته بعد ذلك وإنكاره على هذا الشرط.
وكيف يجوز أن يأذن في شراء الشيء ثم ينكر عليه ويبطله، إلاَّ أن الصَّائرين إلى الفساد لم يثبتوا الإذن في شرط الولاء، وقالوا: إن هشاماً تفرَّد به ولم يتابعه سائر الرواة عليه، فيحمل على وهم وقع له، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يأذن فيما لا يجوز، وبتقدير الثبوت فقد تكلموا عليه مِنْ وجوه لا نطول بذكرها.
وأما من صححهما قال: إنه نهَاهم عن الإِتْيان بمثل هذه الشروط، ولما جرت أنكر عليهم لارتكابهم ما نهاهم عنه، لكنه صححه وقد ينهي عن الشيء ثم يصححه.
ولو جرى البيع بشرط الولاء دون شرط العتق بأن قال: بعتكه بشرط أن يكون الولاء إلي إن أعتقته يوماً من الدهر.
فقد ذكر في "التتمة": أن العقد هاهنا باطل بلا خلاف، إذ لم يشترط العتق حتى يحصل الولاء تبعاً له.
ولو اشترى أَبَاهْ أو ابنه بشرط أن يعتقه.
فعن القاضي حسين: أن العقد باطل لتعذر الوفاء بهذا الشرط، فإنه يعتق عليه قبل أن يعتقه (١) -والله أعلم-.
قال الغزالي: الخَامِسُ أَنْ يَشْتَرِط مَا لاَ يَبْقَى عُلْقة كَكُلِّ شَرْطٍ يُوَافِقُ العَقْدَ مِنَ القَبْضِ وَجَوَازَ الانْتِفَاعِ، أَوْ مَا لاَ يَتَعَلَّقُ به غَرَضٌ كَشَرْطِهِ أَنْ لاَ يَأْكُلُ إِلاَّ الهَرِيسَةَ، وَهَذَا اسْتُثْنِي بِالقِيَاسِ، وَكَذَلِكَ شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ خَبَّازاً أَوْ كَاتِباً وَكُلُّ وَصْفٍ مَقْصُودٍ.
قال الرافعي: غرض الفصل التَّعرض لأقسام الشُّروط الَّتِي لا تفسد العقد بعد ما
(١) قد حكى الرافعي في كتاب: "كفارة الظهار" عن ابن كج: أنه لو اشترى عبداً بشرط أن يعلق عتقه بصفته لم يصح البيع على الأصح. وحكى وجهين فيما لو اشترى جارية حاملاً بشرط العتق فولدت ثم اعتقها هل يتبعها الولد؟ وأنه لو باع عقداً بشرط أن يبيعه المشتري بشرط العتق فالمذهب: بطلان البيع وعن ابن القطان أنه على وجهين. ينظر الروضة (٣/ ٦٧).