= هذين الحديثين حسنان، والحديث يدل على أن العينة محرمة وإلا لما أدخلها في جملة ما استحقوا به العقوبة، وقد جاء عن الأوزاعي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ليأتين على الناس زمان يستحلون الربا بالبيع وبينهما حريرة، يعني العينة، وجاء عن أنس وابن عباس -رضي الله عنهم-: هذا مما حرمه الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- يعني المينة، وفي رواية أنه سأل أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن العينة فقال: إن الله لا يخدع هذا مما حرمه الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-. رواه محمد بن عبد الله الكوفي الحافظ المعروف بمطين في كتاب البيوع، والصحابي إذا قال حرم الله تعالى ورسوله -صلى الله عليه وسلم- أو أمر الله تعالى ورسوله -صلى الله عليه وسلم- أو أوجب الله تعالى ورسوله -صلى الله عليه وسلم- أو قض الله تعالى ورسوله -صلى الله عليه وسلم- ونحو هذا، فإن حكمه حكم ما لو روي لفظ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على التحريم والأمر والإيجاب والقضاء ليس في هذا إلا خلاف شاذ لأن رواية الحديث بالمعنى جائزة، وهو أعلم بمعنى ما سمع فلا يقدم أن يقول أمراً وحرم أو نهى إلا بعد أن يثق بذلك واحتمال الوهم مرجوح كاحتمال غلط السمع ونسيان القلب. وعن أبي إسحاق السبيعي عن امرأته أنها دخلت على عائشة -رضي الله عنها- هي وأم ولد زيد بن أرقم وامرأة أخرى فقالت لها أم ولد زيد إني بعت من زيد غلاماً بثمانمائة نسيئة واشتريته بستمائة نقداً، فقالت: أبلغي زيداً أن قد أبطلت جهادك مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا أن تتوب بئس ما اشتريت وبئس ما شريت. رواه الإمام أحمد وروى حرب الكرماني عن جدة إسرائيل قالت: دخلت على عائشة في نسوة فقالت ما حاجتكن؟ فكان أول من سألها أم محبة فقالت: يا أُم المؤمنين هل تعرفين زيد بن أرقم؟ قالت: نعم، قالت: فإني بعته جارية بثمانمائة درهم إلى العطاء، وإنه أراد بيعها فابتعتها بستمائة درهم نقداً، فأقبلت عليها وهي غضبى فقالت: بئس ما شريت وبئس ما اشتريت أبلغي زيداً أنه قد أبطل جهاده إلا أن يتوب وأفحمت صاحبتنا فلم تتكلم طويلاً، ثم إنه سهل عنها فقالت: يا أُم المؤمنين: أرأيت إن لم آخذ إلا رأس مالي، فتلت عليها: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ}. (سورة البقرة، الآية ٢٧٥). فهذه أحاديث تبين أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حرم هذا حديث ابن عمر الذي فيه تغليظ العينة، وفي حديث عائشة قطع التحريم وتغليظ له، ولولا أن عند أُم المؤمنين علماً من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-لا تستريب فيه أن هذا محرم لم تستحسن أن تقول مثل هذا الكلام بالاجتهاد لا سيما إن كانت قصدت أن العمل يبطل بالردة، واستحلال مثل هذا كفر لأنه من الربا واستحلال الربا كفر ولكن عذر زيد عليه الرحمة والرضوان أنه لم يعلم أن هذا محرم، ولهذا أمرت بإبلاغه، فمن بلغه التحريم وتيقن ذلك لقيام الحجة عنده ثم أصر عليه لزمه هذا وإن لم تكن قصدت هذا بل قصدت أن هذا من الكبائر التي يقاوم إثمها ثواب الجهاد فيصير بمنزلة من يعمل حسنة وسيئة بقدرها فكأنه ما عمل شيئاً. ومعلوم أن هذا لو كان مما يسوغ فيه الاجتهاد لم يكن مأثماً فضلاً عن أن يكون من الكبائر، فلما قطعت بأنه من الكبائر وأمرت بإبلاغه ذلك، علم أنها علمت أن هذا لا يسوغ فيه الاجتهاد، وما ذلك إلا عن علم وإلا فالاجتهاد لا يحرم الاجتهاد، وأيضاً فكون العمل يبطل الجهاد لا يعلم بالاجتهاد، فهؤلاء الصحابة مثل: عائشة وابن عباس وأنس بن مالك أفتوا بتحريم ذلك وغلظوا فيه في أوقات مختلفة ولم يبلغنا أن أحداً من الصحابة بل ولا من التابعين رخص في ذلك بل عامة التابعين من أهل المدينة والكوفة وغيرهم على تحريم ذلك ولا يجوز أن يقال فزيد ابن أرقم عليه الرحمة والرضوان قد فعل هذا لأنه لم يقل إن هذا حلال بل يجوز أن يكون فعله =