فإن قلت: ما حال الخلاف الذي ذكرتم أنهما قولان لِلشَّافعي -رضي الله عنه- أو وجهان للأصحاب وأيهما كان؟ فما الأظهر منهما؟ الجواب:
أما الأول فإنَّ الإِمَام قال: ما أراهما منصوصين، ولكنهما مستخرجان من معاني كلام الشافعي -رضي الله عنه- لكن القَفَّال والأستاذ أبا منصور البغدادي وغيرهما ذكروا أنَّ الأول منصوص عليه، والثَّاني مخرج لابن سريج.
وأما الثَّاني: فإن إيراد كثيرين يميل إلى ترجيح القول الأول وبه قال ابْنُ الحَدَّاد لكن الثَّاني أقوى في المعنى، وهو اختيار أكثر الحساب، وبه قال ابن القاص وابن اللَّبَّان، وتابعهم إمام الحرمين وادَّعى أنه اختيار ابن سريج، لكن في هذه الدَّعْوَى نظر، فإن الأستاذ أبا منصور وغيره نسبوا القول الأول إلى اختيار ابن سريج، -والله أعلم-.
إذا تقرر ذلك عدنا إلى مسألة "التَّلْخيص".
إن قلنا: بالأول فالبيع باطل فيها بلا خلاف؛ لأن مقتضاه صِحَّة البيع في قدر ثلث وهو ستة وثلثان، وفي القدر الذي يقابل من قَفِيزِه قفيز الصحيح وهو نصفه، فيكون خمسة أسداس قفيز في مقابلة قفيز، وذلك ربا.
وإن قلنا: بالثاني صح البيع في ثلثي قفيز المريض بثلثي الصحيح وبطل في الباقي، وقطع قاطعون هاهنا بهذا القول الثاني، كي لا يبطل غرض الميت في الوصية.
قال في "التهذيب": وهو الأصح ووجهه إما على طريقة النِّسْبة، فلأن ثلث مال المريض ستة وثلثان، والمحاباة عشرة، وستة وثلثان ثلثا عشرة، فقلنا بنفوذ البيع في ثلثي القفيز.
وإمَّا على طريق الجبر، فلأن البيع نفذ في شيء وقابله من الثمن مثل نصفه، فإن قفيز الصحيح نصف قفيز المريض وبقي في يد الوَرثة قفيز إلاَّ شيء، لكن يحصل لهم نِصْفُ شَيْء، والباقي عندهم قَفِيز إلاَّ نصف شيء، فنصف شيء هو المُحَاباة، وما في يدهم وهو قَفِيزٌ ناقص بنصف شيء مثلاه، والهاء كناية عن النِّصف، وإذا كان قَفِيزٌ ناقص بنصف شيء مثلي نصف شيء كان عديلاً للشيء الكامل، فإذا جبرنا وقابلنا صار قفيز كامل عديل شيء ونصف شيء، فعرف أن الشيء ثلثا قفيز، وقد عرفت بما ذكرنا أَنَّ القول الثَّاني من القولين اللَّذَيْن أطلقهما صاحب "التلخيص" علام ينبني.
وأما الأول فخرجه على قولنا: إن البيع يصح في قدر الثلث، وما يوازي الثمن بجميع الثمن ظاهر لما فيه من الرّبا، ويجوز أن يكون مبنياً على قولنا: إن الصَّفقة لا تفرق جواباً على طريقة طرد القولين في صور المُحَاباة
وأما قوله:"ولكل واحد منهما الخِيَار في إبطال البَيْع" فهو خطأ في جانب ورثة