للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لنا أنه لو كان من واجبات نفس الغسل لكان الترتيب معتبراً في أركان الغسل لاشتراط تقديم إزالة النجاسة، وقد اتفقوا على أنه لا ترتيب في الغسل، ولأن الأمر في الوضوء والغُسْل واحد، ولم يعده أحد من أركان الوضوء فإذاً تقديم إزالة النجاسة شرط فيهما، وشرط الشيء لا يعد من نفس ذلك الشيء كالطّهارة وستر العورة لا يعدان من أفعال الصّلاة وأركانها: وأما من جمع بين الأذى والنجاسة وعدَّ إزالتهما من كمال الغُسْل لم ينتظم ما فعله في النّجاسة إلا على قولنا إن الغسلة الواحدة كافية عن الخبث والحدث جميعاً. ولم يتفق المفسرون لكلام الشافعي -رضي الله عنه- على أن المراد من الأذى النَّجاسة، بل اختلفوا منهم من فسره بها.

ومنهم من فسره بالمني، ونحوه، مما يستقذر: حكى هذا الخلاف القاضي أبو القاسم بن كج وغيره ولعل ذلك بحسب الاختلاف في المَسْئلة المذكورة -والله أعلم-.

الثاني: أنْ يتوضأ كما يتوضأ للصلاة، روت عائشة -رضي الله عنها- أنه -صلى الله عليه وسلم- كان إذا اغتسل من الجَنابة بدأ فغسل يديه، ثم يتوضأ كما يتوضأ للصلاة، ثم يدخل أصابعه في الماء فيخلّل بها أصول شعره، ثم يفيض الماء على جلده كله (١).

وأعلم أن قوله في الأصل: "ويتوضأ وضوءه للصّلاة وإن لم يكن مُحدثا" يشعر باطّراد الاستحباب فيما إذا كان يغتسل من الجنابة المجردة، وفيما إذا انضم الحدث إلى الجنابة، وإنما يتضح ذلك بتصوير الجنابة المجردة أولاً فنقول من صور ذلك: إتيان الغلام والبهيمة يوجب الجنابة دون الحدث لفقد أسبابه الأربعة.

ومنها: ما إذا لف خرقة على ذكره وأولج في فرج امرأة تحصل الجنابة على قولنا أن الخرقة الحائلة لا تمنع حصول الجنابة، وقد قدمنا الخلاف فيه ولا يحصل الحدث، لأن اللمس إنما يوجب الحدث إذا لم يكن بين البشرتين حائل.

ومنها: إذا أنزل بفكر ونظر أو احتلم قاعداً ممكَّناً مقعده من الأرض تحصل الجنابة دون الحدث على ما سبق في باب الأحداث، وألحق المسعودي بهذه الصور الجماع مطلقاً، وقال: إنه يوجب الجنابة لا غير، واللمس الذي يتضمنه مغموراً به كما أن خروج الخارج الذي يتضمنه الإنزال يصير مغموراً به، واستشهد على ما ذكره (٢) بأن من جامع في الحجّ يلزمه بدنه، وإن كان متضمّناً للمس، ومجرد اللمس يوجب شاة وعند الأكثرين بالجماع يحصل الحدثان جميعاً، ولا يندفع أثر اللمس الذي يتضمنه


(١) أخرجه مالك (١/ ٥٠) والبخاري (٢٤٨ - ٢٦٢) ومسلم (٣١٦).
(٢) في ب: ذكرناه.

<<  <  ج: ص:  >  >>