الجماع بخلاف اندفاع أثر خروج الخارج الذي يتضمنه الإنزال، لأن اللمس يسبق حصول حقيقة الجماع، فيجب ترتيب حكمه عليه، وإذا تم حقيقة الجماع وجب حصول الجنابة أيضاً، وفي الإنزال لا يسبق خروج الخارج الإنزال، بل إذا نزل حصل خروج الخارج، وخروج المنيّ وموجب خروج المني أعظم الحَدَثين فيدفع حلوله حلول الأصغر معه كما سبق.
وأما مسألة المحرم فممنوع على وجه، وعلى التسليم ففي الفدية معنى الزجر والمُؤَاخَذَة، وسبيل الجنايات اندراج المقدمات في المقاصد، ألا يرى أن مقدمات الزِّنا لو تجردت أوجبت التعذير، وإذا أفضت إلى الزنا لم يجب التعزير مع الحد، وأما هاهنا فالحكم منوط بصورة اللمس، ولهذا لا يفرق فيه بين العمد والنِّسيان: وإذا عرفت ذلك فنقول: إن تجردت الجنابة فالوضوء محبوب في الغُسْل عنها، وإن اجتمع الحدث والجنابة فقد حكينا في باب صفة الوضوء الخلاف في أنه هل يكفيه الغسل أم يجب معه الوضوء؟ فإن اكتفينا بالغُسْل فالوضوء فيه محبوب كما لو كان يغتسل عن مجرد جَنَابة، وعلى هذا ينتظم القول باستحباب الوضوء على الاطّراد أما إذا أوجبنا معه الوضوء امتنع القول باستحبابه في الغسل، ولا صائر إلى أنه يأتي بوضوء مفرد وبوضوء آخر، لرعاية كمال الغسل، ولا ترتيب على هذا الوجه بين الوضوء والغسل، بل يقدم منهما ما شاء، ولا بد من إفراد الوضوء بالنِّيَّة، لأنها عبادة مستقلّة على هذا الخلاف أما إذا كان من محبوبات الغسل فإنه لا يحتاج إلى إفراده بنية: ثم الوضوء المَحْبُوب في الغُسْل هل يتمه في ابتداء الغسل أم يؤخر غسل الرجلين إلى آخر الغسل؟ فيه قولان:
أظهرهما: أنه يتمه ويقدم غسل الرجلين مع سائر أعضاء الوضوء، لما سبق من حديث عائشة فإنها قدمت الوضوء على إفاضة الماء، والوضوء ينتظم غسل الرجلين.
وثانيهما: أنه يؤخره إلى آخر الغسل، وبه قال أبو حنيفة: لأن ميمونة وصفت غسل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت:"ثُمَّ تَمَضْمَضَ، وَاسْتَنْشَقَ وَغَسَلَ وَجْهَهَ وَذِرَاعَيْهِ، ثُمَّ أَفَاضَ عَلَى سَائِر جَسَدِهِ، ثمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ رِجلَيْهِ"(١). ولا كلام في أن أصل السنة يتأدّى بكل واحد من الطّريقين، إنما الكلام في الأولى.
الثالث: يتعهد من بدنه الموضع الذي فيه انعطاف والتواء، كالأُذُنَيْن فيأخذ كفًّا من الماء، ويضع الأذن برفق عليه ليصل إلى معاطفه، وزواياه كغضون البطن إذا كان سَمِيناً، وكذلك بفعل بِمَنَابت الشّعر، فيخلل أصول الشعر ومنابته، وكل ذلك قبل إفاضة