للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= فأولاً: قوله -صلى الله عليه وسلم- "لاَ تَبعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ" لأن عند تستعمل في حالين في الحاضر القريب، وفيما هو في حوزة الشخص وملكه وإن كان بعيداً. والحديث صالح لشمول الحالين معاً فيحمل عليهما فكما لا يجوز أن تبيع الحاضر غير المملوك لك لا يجوز أن تبغ الغائب وإن كان ملكك لأن كلا منهما يصدق عليه أنه ليس عندك في الجملة.
وثانياً: ما صح ثبوته عنه -صلى الله عليه وسلم- من النهي عن بيع الغرر. وهذا النوع من البيوع فيه غرر كبير لأنه لا عين مرئية ولا صفة مضمونة في الذمة. والوصف مهما بولغ فيه فلن يقوم مقام الرؤية. وكيف يكون هذا وقد شاع في الناس هذا المثل السائر -ليس الخبر كالعياق- وقولهم -ليس من رأى كمن سمع- فالقول بأن الوصف كالرؤية في تحصيل العلم تشكيك في مقام الضرورة. أما السلم فإنما صح للدليل الصحيح، ولأن الذمة فيه ضامنة فإذا جاء المسلم فيه على ما وصف فالأمر ظاهر، وإلا فالمسلم إليه مجبر على غيره مما يتحقق فيه الوصف. وأما الغائب المذكور فالذمة غير ضامنة له لكونه معيناً. وأما القياس -فقالوا إنه في معنى بيع حبل الحبلة كل منهما معين مجهول والوصف في الغائب لا يرفع الجهالة أو لا يرفع منها إلا قليلاً لا يسوغ صحة البيع. ثم ما يدرينا؟ لعل الغائب يمنع مانع من تسلمه، فيكون غير مضمون العاقبة كحبل الحبلة أيضاً. نوقشت أدلة الحنفية من السنة:
أولاً: بأن حديث -من اشترى شيئاً لم يره- المسند منه في رجاله عمر الكردي. يقول الدارقطني فيه كان يضع الأحاديث والراوي عنه داهر بن نوح. وهو مجهول غير معروف. والمرسل منه -فضلاً عن أن في حجية خلافاً- في رجاله أبو بكر بن أبي مريم وهو ضعيف. فإذا كان حال الحديث ما ذكرنا فكيف ينهض حجة على حكم من الأحكام؟.
وثانياً: بأن قصة مبايعة عثمان وطلحة لو صلحت دليلاً فهي لا تدل لدعوى الحنفية كاملة أعني سواء كان الغائب موصوفاً أو غير موصوف لأن هذه قصة عين وهي لا تدل على العموم، إذ من الجائز أن يكونا قد تواصفا الأرض نعم هي تدل لصحة بيع الغائب الموصوف بيقين؛ لأن الأرض إن كانت قد وصلت فالأمر واضح، وإن لم تكن قد وصلت فصحة بيع الموصوف أولى. ونوقشت أدلتهم من المعقول:
أولاً: بأن القياس على النكاح غير صحيح؛ لأن النكاح مبناه على المساهلة والمكارمة. ومبنى البيع على الشح والمكايسة؛ ولأن في إلزام رؤية المرأة هتكاً لحرمتها وجرحاً لشعورها فقد يردها ولا يخطبها.
وثانياً: بأن القياس الثاني أعني القياس على صحة بيع المعين الحاضر المشار إليه إذا جهل وصفه كثوب لا يعلم عدد زرعانه وهو مشار إليه فهو فضلاً عن كونه دليلاً على جزء الدعوى لكون المقيس عليه لا خيار فيه إن سلم كونه دليلاً فضلاً عن ذلك لا يدل على صحة بيع الغائب غير الموصوف. لأن الحاضر المشار إليه تقوم الرؤية فيه مقام الوصف أعني الوصف الذي يريده المشتري ككونه بلون خاص أو ذا نقش خاص وعدم سؤاله عن ذرع الثوب قد يكون لأن ليس مقصوداً له أو لأن الأمر فيه ليس كبيراً وأخيراً هو المقصر بعدم السؤال أو الذرع لكون الثوب مهيئاً لديه حاضراً.
وثالثاً: وأما معقولهم القائل مال مقدور التسليم ولا ضرر في بيعه لثبوت خيار الرؤية للمشتري. =

<<  <  ج: ص:  >  >>