للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= فيقال لهم أثبتوا أولاً وقبل كل شيء أن خيار الرؤية على النحو الذي ذهبتم إليه مشروع ثم انفوا بعد ذلك حصول شيء من الضرر معه، فإنكم لن تجدوا إلى ذلك سبيلاً. وها أنتم قد رأيتم مبلغ الأدلة التي سقتموها لتدعيم هذا الرأى.
ونوقشت أدلة المالكية:
أولاً: من حيث استدلالهم لصحة بيع الغائب المجهول على خيار الرؤية بانتفاء الغرر. بأن عليهم قبل كل شيء أن يأتونا ببيع يصح شرعاً ثم ليشترطوا بعد ذلك من الشروط ما لا يورث غرراً في البيع، وأما أن يأتونا ببيع لا يصح لولا الشرط فهذا قلب للموضوع. لأن الشروط في الأصل منهي عنها في البيع لكونها تورث غرراً فيه، لأنها قد لا تتحقق أو تورث ضرراً بأحد العاقدين. بدليل أنه نهى عن بيع وشرطين وبيع وسلف، وإنما جوزت للحاجة. فهي منظور فيها أنها متممة لمقصود البيع منفصلة عنه لا أنها داخلة في صحة ومتوقف عليها.
وثانياً: من حيث قياسهم بيع الغائب الموصوف على السلم، بأنه قياس مع الفارق لأن الذمة ضامنهَ المسلم فيه والغائب المذكور غير مضمون فيها لكونه معيناً. نعم بإثبات الخيار للمشتري قياساً على خيار العيب يتم هذا القياس، لكون الغرر الذي جاء من عدم ضمان الذمة له مدفوعاً بإثبات الخيار للمشتري.
ونوقش: دليل الظاهرية على بطلان بيع الغائب الموصوف إذا ظهر تلف الوصف لكونه غير المبيع. بأن البيع كان يبطل حقاً لو كانت الأوصاف مقصودة أصالة في البيع مع أنها لم تقصد إلا تبعاً لقصد العين فأمرها بالنسبة للعين ثانوي في الغالب، فإبطال البيع بتخلفها قد يكون فيه إضرار بالمشتري نفسه الذي أبطلتم العقد من أجله. فالنظر يقضي في مثل هذه الحالة أن يترك الأمر للمشتري يقدره بمقاييس المنفعة العائدة عليه من البيع. وليس هذا نظراً فحسب بل مقاييس الشريعة دالة عليه. أليس لو اشترى مصراة وهو يظنها حلوباً فتخلف ظنه فالبيع صحيح مع تخلف وصف الحلابة الذي ظنه؟ فما الفرق بين هذا وبين تخلف الوصف الذي شرطه؟ هذا مع بأن البائع في التصرية هو الذي حمله على الظن الذي ظنه ببب تصرية كما أنه في شرط الوصف حمله على ظن صدقه وأن الأمر كما وصف.
ونوقشت: أدلة الشافعية من السنة:
أولاً: بأن حديث: "لاَ تَبعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ" مراد منه ما ليس ملكك بدليل قصته وهي ما: "روي أن حكيم بن حزام قال: يا رسول الله، إن الرجل يطلب منى سلعة ليست عندي، فأبيعها منه ثم أدخل السوق فأستجيدها فأشريها فأسلمها إليه، فقال عليه السلام: "لاَ تَبعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ" لا سيما وهذا اللفظ قد ورد في سؤال السائل نفسه مراداً منه ما ليس ملكه، والأصل مطابقة الجواب السؤال. على أن الشافعية أنفسهم يقولون لو رأى العين الغائبة قبل البيع بمدة لا تتغير فيها عادة، فالبيع صحيح مع أنها ليست عنده بالمعنى الذي ذكروا.
وثانياً: بأن حديث النهي عن بيع الغرر لا يشمل الغائب الموصوف؛ لأن بالوصف ترتفع الجهالة وبإثبات الخيار للمشتري إذا تخلف الوصف يزول الضرر الذي يلحق المشتري نعم العلم بالوصف أدنى مرتبة من العلم بالرؤية، ولكن المقصود من المبيع يعرف بالوصف؛ لأنه إنما يذكر الأوصاف التي يراها كافية في تحقيق طلبته، وهذه المعرفة لا تفترق كثيراً عن المعرفة بالرؤية، ونوقشت أدلتهم من المعقول بأن القياس على حبل الحبلة لو صح فإنما يجري في بيع الغائب المجهول، أما =

<<  <  ج: ص:  >  >>