للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الرافعي: الأمر الثالث: وجوب لتسليم. لا شك أن على كل واحد من المُتَبايعين تَسْليم العوض الذي استحقه الآخر، لكن لو اختلفا فقال البائع: لا أسلم المبيع حتى أقبض الثمن، وقال المشتري: لا أؤدي الثَّمن حتى أقبض المبيع، ففيه أربعة أقوال:

أحدها: أن الحاكم يجبرهما على التَّسْليم، فيأمر كل واحد منهما بإحضار ما عليه فإذا أحضرا سلم الثمن إلى البائع والمبيع إلى المشتري لا يضره بأيهما بدأ ويأمرهما بالوضع عند عدل ليفعل العدل ذلك، ووجهه أن كل واحد منهما يستحق قبض ما عند الآخر، فلا سبيل إلى تكليف الإِبْقَاء، فيؤمر بِإبْقَائه كما لو كان لكل واحد منهما وَدِيْعَة عند الآخر وتنازعا هكذا.

والثاني: أنه لا يجبر واحداً منهما، ولكن يمنعهما من التَّخاصم، فإذا سلم أحدهما ما عليه أجبر الآخر، ووجهه أن على كل واحد إيفاء واسْتِيفاء، ولا سبيل إلى تكليف الإيفاء قبل الاستيفاء.

والثالث، وبه قال مالك وأبو حنيفة: أنه يجبر المشتري على تسليم الثمن أَوَّلا؛ لأن حقه متعين في المبيع، وحق البائع غير متعين في الثمن، فيؤمر بِالتَّعيين.

والرابع: وبه قال أحمد، وهو الأصح: يُجْبر البائع على تسليم المَبِيع أولاً؛ لأنه لا يخاف هلاك الثمن، فملكه مستقر فيه وتصرفه فيه بالحِوَالة والاعْتِياض نافذ، وملك المشتري في المبيع غير مستقر، فعلى البائع التَّسْليم ليستقر.

وفي المسألة طريقة أخرى وهي: القَطْع بالقول الرَّابع، وحمل الأول والثَّاني على حكاية مذهب الغير، وما روي عن نصِّه في "الأم" واستغربه.

وأما الثَّالث: فهو من تخريج بعضهم، وليس منصوصاً عليه.

واختار الشَّيْخ أبو حامد هذه الطَّريقة، ومنقول المزني في "المختصر" يمكن تنزيله على القول الرابع، وبه قال الأكثرون، ويمكن تنزيله على الأَوَّل وبه قال المسعودي، وهذا كله فيما إذا كان الثَّمن في الذِّمة. فإن كان معيناً سقط القول الثَّالث.

سقط القول الثالث (١) وإن تبايعا عرضا بعرض سقط القول الرَّابع أيضاً.


(١) الذي قطع به الجمهور وهو المذهب: أنه يسقط الرابع أيضاً كما إذا باعه عوضاً بعرض لأن الثمن يثعين بالتعيين عندنا. للخلاف شروط:
أحدها: أن يكون بعد لزوم العقد فلو كان في زمن الخيار لم يجبر ولو تبرع أحدهما بتسليم ما عنده لم يجبر الآخر وله استرداد المدفوع على الأصح كما ذكره الشيخ في باب الخيار.=

<<  <  ج: ص:  >  >>