للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

على قدر الوضوء أو لم يزد عليه، فهذا شرح مسألة الوصية.

واعلم أنه إن عَيَّن المكان فقال: اصرفوا هذا الماء إلى أولى النَّاس به في هذه المَفَازَةِ، فالحكم على ما ذكرنا، ولو لم يعين بل قال: اصرفوا إلى أولى الناس به واقتصر عليه، فينبغي أن يبحث عن المُحْتَاجين في غير ذلك المكان، ألا يرى أنه لو أوصى لأعلم الناس لا يختص بأهل ذلك الموضع إلا أن حفظ الماء ونقله إلى مفازة أخرى، كالمستبعد والله أعلم.

ولو انتهى هؤلاء المُحْتَاجُون إلى مَاءٍ مُبَاحٍ واستووا في إحْرَازِهِ وإثبات اليد عليه ملكوه على السَّوَاء لاستوائهم في سبب المِلْكِ، وكل واحد أحَقُّ بملك نفسه من غيره، وإن كان ذلك الغير أحوج إلى الماء، وكان حدثه أغلظ، بل لا يجوز لكل واحد أن يبذل ما ملكه لغيره، وإن كان ناقصاً إلا إذا قلنا: لا يجب استعمال الماء الناقص عن قدر الكفاية. هذا ما أورده صاحب الكتاب، وذكره إمام الحرمين، وأورد أكثر الأصحاب هذه الصورة، وقالوا: يقدم فيها الأحوج فالأحوج كما في مسألة الوَصِيَّةِ، ولا مُنَافَاةَ بين الكلامين؛ لأن هؤلاء أرادوا التقديم على سبيل الاستحباب، وكأنهم يقولون: مجرد الانتهاء إلى الماء المباح لا يقتضي المِلْكَ، وإنما يثبت (١) الملك بالاسْتِيلاء والإحراز فيستحب لغير الأحوج ترك الإحراز والاستيلاء إيثاراً للأحوج، وهؤلاء [لا] (٢) يسلمون أنهم لو لم يفعلوا ذلك واستولوا عليه وازدحموا كان الأمر على ما ذكره إمام الحرمين، لكن يمكن أن ينازع هو فيما ذكروه من الاسْتِحْبَاب، ويقول: إنه متمكن من الطهارة بالماء، فلا يجوز له العدول إلى التَّيمُّم كما لو ملكه لا يجوز له بذله لغيره.

قال الغزالي: (الرَّابعُ) العَجْزُ بِسَبَبِ الجَهْلِ كَمَا إِذَا نَسِيَ المَاءَ في رَحلِهِ فَتَيَمَّمَ (ح) قَضَى الصَّلاة عَلَى الجَدِيدِ، وَلَوْ أَدْرَجَ فِي رَحْلِهِ وَلَمْ يَشْعُرْ بِهِ لَمْ يَقْضِ عَلَى الصَّحِيحِ إِذْ لاَ تَفْرِيطَ، وَلَو أَضَلَّ المَاءَ فِي رَحْلِهِ فَلَمْ يَجِدهُ مَعَ الإِمْعَانِ فِي الطَّلَبِ فَفِي القَضَاءِ قَوْلاَنِ كَمَنْ أَخْطَأَ القِبْلَةَ، وَلَو أضلَّ رَحلَهُ في الرِّحَالِ فَقَوْلاَنِ، وَالأَوْلَى سُقُوطُ القَضَاءِ؛ لأَنَّ المُخَيَّمَ أَوْسَعُ مِنَ الرَّحْلِ.

قال الرافعي: لك أن تقول: الكلام هاهنا في أسباب العَجْزِ المبيح للتّيمم، والسّبب المبيح هاهنا إنّما هو الفَقْدُ في ظَنِّهِ إلاَّ أنه تبيَّن بعد ذلك أنه لم يكن فاقداً، ولا شكَّ في أن الأسباب المبيحة يكفي فيها الظن، ولا يعتبر التَّعيُّن، وإذا كان كذلك فليس


(١) سقط في ب.
(٢) سقط في ط.

<<  <  ج: ص:  >  >>